بيداغوجيا الإدماج :سابعا : بين بيداغوجا الإدماج والمنهاج المندمج للمؤسسة
د محمد الدريج
تتبنى بيداغوجيا الإدماج مفهوم الإدماج الذي وضعه المجلس الأعلى للتربية في كيبك بكندا ، والذي يعرفه بكونه "السيرورة التي يربط بها التلميذ معارفه السابقة بمعارف جديدة، فيعيد بالتالي بناء عالمه الداخلي، ويطبق المعارف التي اكتسبها في وضعيات جديدة ملموسة". نستشف من هذا التعريف الضيق ،ما يأتي:
-الإدماج هو ربط المعارف السابقة بالمعارف الجديدة، وتركيبها، ثم توظيفها لحل وضعيات-مشكلات جديدة.
-إن إدماج المكتسبات عملية شخصية وفردية بالأساس، لا يمكن أن يقوم بها متعلم مقام آخر.
لكننا نقترح في تصورنا للمنهاج الدراسي، أن يتسع مفهوم الاندماج حتى لا يبقى محصورا في جانب واحد من النشاط الذهني للمتعلم وهو إدماج الموارد والمكتسبات .لأن ذلك في نظرنا هو العيب الأساسي لبيداغوجيا الإدماج، إنها بيداغوجيا تقنية تجزيئية وسلوكية في العمق رغم ادعائها بالاشتغال في إطار مدخل الكفايات وهو مدخل معرفي - ذهني، فلا تختلف كثيرا عن بيداغوجيا الأهداف السلوكية بل تختلف عنها كما أثبتنا ،شكلا وليس في المضمون.
بطبيعة الحال فإن الحديث عن الوضعيات وتعويد التلاميذ على مواجهة المشكلات ،في هذه البيداغوجيا خاصة في حمولتها الاجتماعية ، فيه إلى حد ما ، سعي نحو الاندماج . لكنه اندماج ضمني ويركز على دمج التعلمات فلا تتضح أبعاده الاجتماعية وغاياته الشمولية التي ينبغي إظهارها وتوظيفها منذ البداية ، سواء في محتويات البرامج او في أساليب أدائها و في طبيعة الأنشطة الموازية او في مشاريع المؤسسة وغيرها والتي ينبغي ان تعزز ما تستهدفه المدرسة من اندماج حقيقي في المجتمع بشكل شمولي .
لذلك فإننا قدمنا منذ سنوات ، تصورا أكثر شمولية ،أسميناه "المنهاج المندمج للمؤسسة" (م 3) والذي يتسع فيه مفهوم الاندماج (نظريا وعمليا) ليشكل نسقا متكاملا . من بعض مميزاته أنه يمنح على سبيل المثال، المناطق والمؤسسات والجهات، سلطة ( حرية) تعديل ومواءمة المقررات الدراسية، للاحتياجات والخصوصيات المحلية مع احتفاظها بالأسس المشتركة في المنهاج الوطني العام أي نسمح للمدرسين والقائمين على التعليم عموما بنوع من المرونة بدل النمطية والأحادية اللتان تميزان كلا من بيداغوجيا الأهداف و بيداغوجيا الاندماج، شريطة خلق نوع من التوازن بين المستوى الوطني والمستوى الجهوي .
ويمكن أن يتشخص هذا النوع من المناهج في مشاريع الشراكة التربوية ، حيث تترك للمؤسسات حرية المبادرة وعقد اتفاقيات تعاون و شراكة مع القطاع الخاص وفعاليات المجتمع المحلي،وتعديل مناهجها الدراسية بشكل مندمج ، بما يساير خصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويلبي في نفس الآن احتياجات التلاميذ ومتطلبات أسرهم.كما يساير مختلف المستجدات في مجال بناء وتطوير المناهج التعليمية وما ظهر حديثا في مجال إدارة الجودة الشاملة واعتماد معايير الجودة في التعليم (انظر محمد الدريج " المعايير في التعليم ،نماذج وتجارب لضمان جودة التعليم " ،2008).
هذا وقد وجدنا لهذا النموذج بعض الآثار في نظامنا التعليمي، فمثلا تحدد نسبة حرية التصرف في المنهاج الوطني بالتعديل وإضافة مواضيع جديدة، و المتروكة جهويا للمؤسسات ، في 15 بالمئة. .( محمد الدريج،1996 و 2002).
ونحن بصدد تطوير وتحديث هذا النموذج والذي سنخصه قريبا بدراسات مستقلة،لكن يمكننا أن نشير الآن إلى أن الاندماج المنشود ينبغي أن يسير بشكل متواز ومتكامل في أربعة اتجاهات :
1- اندماج على مستوى المنهاج بمختلف مقرراته وهو اندماج أفقي (مستعرض) بين المواد الدراسية.
2- اندماج منهاجي على مستوى الأهداف العامة أو الكفايات الأساسية ، (المعارف ، المهارات ، منظومة القيم /الأخلاق ،الهوية ، مشاعر المواطنة...).
3- واندماج على مستوى المؤسسة. سواء داخل المؤسسة (بين أطرها وتنظيماتها وروادها من التلاميذ) وبينها وبين البيئة المحلية ( الطبيعية والمجتمعية والثقافية).
4- واندماج على مستوى المنطقة ( الجهة) والوطن أي على مستوى المجتمع ككل.