بيداغوجيا الإدماج :ثالثا : بيداغوجيا الإدماج نموذج مبني على السوسيلوجيا الفرنكفونية.
د . محمد الدريج
تندرج قراءة كزافيي روجييرس لمدخل الكفايات ، فيما يعرف بالنموذج المبني على السوسيلوجيا الفرنكفونية والتي تؤكد على أهمية الجانب الاجتماعي في الكفايات .في مقابل النموذج الانجلوسكسوني وهو نموذج فرداني يركز في تعريفه للكفايات على الجوانب الفردية الداخلية والمعرفية المستبطنة.
وجد النموذج الفرداني مجالا خصبا في الأدبيات التربوية الانجلوسكسونية خلال التسعينات من القرن الماضي ، معززا ببعض النظريات السيكولوجية وخاصة السيكلوجية الفارقة و توأمها البيداغوجيا الفارقة والتي تنتظم استنادا إلى العناصر الأساسية الكامنة و راء عدم تجانس المتعلمين داخل القسم ومن أهم هذه العناصر:
الفوارق المعرفية ( cognitifs ): وترتبط بسيرورات اكتساب المعارف ،و تشمل: الاشتغال الذهني و غنى العمليات المعرفية التي تتركب أساسا من التمثلات و الصور الذهنية وأنماط التفكير (مشخص /مجرد,تحليلي/تركيبي ، استنتاجي/استدلالي...) إستراتيجيات التعلم... درجة تحصيل التعلمات و تخزينها.
الفوارق السيكولوجية-الوجدانية ( psychologiques-affectives ) : وترتبط بالمعيش على مستوى الشخصية (المعيش الخاص بكل متعلم) و تشمل بصفة خاصة :الدافعية – الإرادة -الانتباه - الإبداعية - الفضول - الطاقة - التوازن - الإيقاعات...
الفوارق السوسيوثقافية ( Socioculturelles ) : و ترتبط بالسياق الثقافي و الاقتصادي العام الذي يتحرك داخله المتعلمون و يشمل على الخصوص : القيم والاتجاهات الضابطة للسلوك، المعتقدات السائدة ، التاريخ الثقافي للأسرة ،الرموز اللغوية المستعملة ،أنماط التنشئة الاجتماعية المتعبة ، الغنى الثقافي العام و مميزاته....
ومنذ تسعينيات القرن الماضي ، سيتعرض هذا النموذج الأنجلوسكسوني للعديد من الانتقادات .على أن أهم ما يؤاخذ عليه هو تركيزه على الخصوصيات الفردية والابتعاد بالتالي عن الجوانب الاجتماعية والتاريخية في التعلم واكتساب الكفايات. فبرز انطلاقا من هذه الانتقادات النموذج الذي يمكن أن تندرج ضمنه بيداغوجيا الإدماج ،والذي يؤكد على الجوانب الاجتماعية .وهو وإن كان يقبل تعريف الكفايات الذي يقدمه النموذج الانكلوسكسوني من حيث أنها قدرات فردية مستدخلة (مستبطنة) وهي في نهاية التحليل تركيبة (كوكطيل) من عناصر متعددة (معلومات، مهارات ،اتجاهات...) ،إلا أنه يضيف على هذا التعريف عناصر متضمنة في الانتقادات المشار إليها ، كمحاولة منه لتوضيح وبشكل صريح ،كيف تشتغل الكفايات ، بمعنى كيف يتم اكتسابها وكيف يتم توظيفها ،بطبيعة الحال وكما هو معروف ، يتم اكتسابها وتوظيفها من خلال الممارسة والعمل في إطار الوضعيات ذات الطبيعة الاجتماعية.
فيأتي هذا النموذج ( بيداغوجيا الإدماج ) ، كتركيب لتوجهين :الفردي والاجتماعي .
إذن نحن أمام تصورين متعارضين ، تصور يتموضع على المستوى الفردي ويعمل على شحذ الاستعدادات الفردية للتفكير والعمل والتي تكتسب من خلال انجاز مهام في إطار وضعيات محددة ومشخصة وفي هذه الحالة يستحسن استعمال كلمة قدرة capacitéللدلالة على تلك الاستعدادات الداخلية التي يتم شحذها وتطويرها. وتصور ثاني يتموضع اجتماعيا ويتمثل في إكساب التلاميذ الكفاية compétence على انجاز مهام والقيام بادوار تلائم معايير متوقعة .وهكذا فإذا كانت القدرات ترتبط بعمليات معينة ومحددة ، فإن الكفايات لها مدلول أكثر اتساعا حيث يتعلق الأمر بالتحرك في وضعيات مركبة وأكثر تعقيدا.
إن الكفايات بالنسبة لبيداغوجيا الإدماج عند كزافيي روجييرس والذي يتبنى النموذج الاجتماعي-البنائي كما قلنا، لا تعرف باعتبارها وضعيات محددة ومشخصة ،بل تعرف حسب مجموعة أو فئة (عائلة) من الوضعيات الاجتماعية المهمة بالنسبة للمجتمع . لذا فإنه يعرف الكفاية ،مستفيدا من تعريف بيرنو بأنها: " الإمكانية التي يكتسبها الفرد لتجنيد بكيفية باطنية(داخلية) مجموعة مندمجة من الموارد (معلومات ،معارف،خطاطات ، آليات، عادات،قدرات ،مهارات اتجاهات...) لغاية مواجهة وحل فئة من الوضعيات – المشكلة". وقبله قدم فليب بيرنو (1997) Philippe Perrenoud ، تعريفا قريبا من هذا المعنى بل وملهما له، حيث يعرف الكفاية على أنها "القدرة على تجنيد مجموعة من الموارد (معلومات ،قدرات، معارف...) لحل وبنجاح وفعالية ، فئة أو سلسلة من الوضعيات" وهكذا وحسب هذا التصور ،فإن الكفايات ترتبط بسياقات ثقافية ومهنية وبشروط اجتماعية (...)كما أن مصطلح الكفاية لا يرادف مصطلح القدرة أو مصطلح المهارة ، لأن المفهوم الاستكشافي للكفاية لا يقتصر على البعد المعرفي أو على البعد المهاري في النشاط الإنساني. فإذا كانت القدرة تشير إلى إمكانية إنجاز بسهولة ودقة ،عمليات عقلية و مهارية محددة ،فعلى العكس من ذلك، فإن الكفاية تشير إلى مجموعة من الأنشطة التي تتضمن قدرا من التعقيد وتحتوي على مهارات عقلية واتجاهات وأمور أخرى غير معرفية. وبالتالي فإن للكفاية بنية داخلية تعمل وتنشط بتجنيد استعدادات و قدرات ومهارات وإجراءات ... للاستجابة للطلب الذي تمليه الوضعيات. لكن ذلك لا يعني أن الكفايات تشتغل في فراغ اجتماعي ، بل إنها مترابطة وغير مستقلة بيئيا و سياقيا.