بيداغوجيا الإدماج :خامسا : بيداغوجيا الإدماج امتداد لبيداغوجيا الأهداف
د . محمد الدريج
من الانتقادات الأساسية التي نلاحظها على بيداغوجيا الإدماج ، هي عدم قدرتها على التخلص من بيداغوجيا الأهداف ومن المدرسة السلوكية عموما، ولبيان ذلك نقدم التوضيحات التالية :
مدخل الكفايات يندرج أساسا في المدرسة المعرفيةcognitivisme في حين تتأثر بيداغوجيا الأهداف بالمدرسة السلوكيةbehaviorisme والفرق بين المدرستين واضح ومعروف .
لكننا نلاحظ أن بيداغوجيا الإدماج عندما تريد اختيار وصياغة الكفايات ومختلف الخطوات التي تروم بناءها في شخصية المتعلم ،فإنها تلجأ للاستعانة ببيداغوجيا الأهداف بالمعنى السلوكي ولبيان ذلك نقدم الحقائق التالية :
كما هو الأمر بالنسبة للأهداف ، فإننا نقوم بتحديد ماذا ننتظر من التلميذ في نهاية الحصة أو في نهاية برنامج او في نهاية العملية التعليمية برمتها ،مع انشغال أساسي يلاحقنا باستمرار هو كيف نصوغ أهدافنا بوضوح وكيف نعبر عنها بالوجه الصحيح. و يعمد روجييرس إلى الاستنجاد بجدول التخصيص (table de spécification ) في التقويم والذي يقترحه أصلا بنيامين بلوم Bloom .B وهومن رواد بيداغوجيا الأهداف في الوقت الذي لا يتوقف فيه روجييرس عن انتقاد هذه البيداغوجيا .وكما هو معلوم فإن جدول التخصيص، هو أداة عملية لتحديد:
- الأهداف(القدرات) المراد اكتسابها ونسبة أهميتها.
- أهمية المادة بالنسبة للوحدة الدراسية.
- ييسر عملية التقويم.
- يساعد على تحديد عدد الأسئلة وعدد النقاط (الدرجات) وفق الأهمية النسبية.
- يوجه إلى الجوانب المراد تكوينها لدى المتعلم.
و يتكون جدول التخصيص من مدخلين :
- مدخل القدرات الضرورية لتنمية الكفاية. ويتضمن الكتاب الأبيض (الجزء 1) القدرات الضرورية لتنمية مختلف الكفايات المستهدفة سواء ذات الطابع التواصلي أو المنهجي أو الاستراتيجي ...).
- والثاني مدخل مضامين المادة الدراسية، والتي ستمارس عليها هذه القدرات.
وبما أن الهدف التعلمي Objectif d’apprentissage حسب روجييرس يتمثل في تطبيق قدرة ما على محتوى معين، فإن خانات جدول التخصيص تتضمن مختلف الأهداف التي توجه الممارسات البيداغوجية، وتشكل الموارد الضرورية التي يتم إدماجها في إطار تنمية الكفاية أو تقويمها.
الهدف التعلمي هو إذن ممارسة قدرة على محتوى معين. فقدرة الكتابة مثلا وكتابة رسالة ما كمحتوى (موضوع) تعلم ، يمكنان من الحصول على الهدف التالي : كتابة رسالة... كذا. ويوافق هذا التعبير مرقى الهدف الخاص المعتمد في إطار التدريس بالأهداف. ويبقى من مهمة المدرس العمل على أجرأته، لضبط وتقويم وتوجيه أنشطته، باعتبار المدرس منشطا ووسيطا.
وفي بيداغوجيا الإدماج فان الأجرأة تتم على مستوى أنشطة التلاميذ باعتبارهم فاعلين أساسيين في العملية التعليمة-التعلمية وعلى مستوى ما يقوم به المدرس من تقويم لمدى نجاحهم في ذلك النشاط بالرجوع إلى المعايير والمؤشرات الجزئية والقابلة للملاحظة والقياس ( وهذا بالضبط هو تعريف الهدف الإجرائي في بيداغوجيا الأهداف) . فتنحل الكفايات بجميع أنواعها ومستوياتها في نهاية المطاف، إلى أهداف إجرائية من خلال انحلالها إلى معايير حصول الأهداف التعلمية ومؤشراتها.
إننا في الأسابيع الأولى ( الستة في الطبعة المغربية )التي نكسب فيها التلاميذ الموارد فإننا نعلمهم بشكل جزئي وتراكمي عن طريق تحقيق أهداف جزئية ( إجرائية ) وتأتي أسابيع الإدماج أو المراجعة أو حصص التطبيق ...( تغيير في المسميات ليس إلا) لإحداث التركيب والتراكم الضروريين لترسيخ التعلمات الجزئية وتركيبها وبالتالي لترسيخ الكفاية الأساسية او الهدف النهائي للإدماج والتي تسمى في بيداغوجيا الأهداف بالغايات او الأهداف العامة.
كذلك تحافظ بيداغوجيا الإدماج وبشكل أمين ،على التقسيم الثلاثي الكلاسيكي لشخصية الإنسان الذي يتبناه التدريس بالأهداف ، إلى الجوانب المعرفية والحس- حركية والوجدانية ، حيث ينص جدول التخصيص على ضرورة تصنيف القدرات (الأهداف الخاصة )إلى معارف ومهارات ومواقف، تبعا لطبيعة القدرة :
- المعارف(savoirs) : وتتمثل بالنسبة لمادة ما، في ممارسة القدرات المعرفية على موضوع ما للتعلم.
- المهارات (savoir-faire): وتتمثل في تطبيق قدرة حس – حركية على موضوع للتعلم. ويتم تطويرها من خلال التمرن على تنمية مراحلها في مواضيع تعلم مختلفة. وتتمثل أهمية تنويع مواضيع التعلم في تمييز المهارة عن المعرفة.
- المواقف والاتجاهات(معرفة الوجود أو حسن التواجد - savoir-être): ويمكن الحصول عليها بتطبيق قدرة سوسيووجدانية على موضوع تعلم، كالإنصات إلى اقتراحات الأقران، والتعود على تصفح القاموس للبحث عن معنى كلمة...
وهكذا تفيد جداول التخصيص (أو ما قد يعوضها من شبكات ولوائح التقويم ) في استخراج مختلف السلوكات المؤشرة الدالة على وجود الكفاية وكذا المضامين التي تستدعيها ، وأيضا القدرات التي يتم السعي إلى تنميتها وتطويرها من خلال الكفاية …ويتم الحصول عليه من خلال تقاطع محور المضامين التي تتطلبها الكفاية ومحور القدرات المراد تطويرها ، بحيث تشكل نقط تلاقي المضامين والقدرات في المستوى المحدد بالمحورين ، ونعبر عنها بالمؤشرات ويقصد بها السلوكات الملاحظة و التي يتم التعرف من خلالها على حصول الكفاية أو أحد مستوياتها وفق المعايير المحددة سلفا.
وهكذا يبدو لنا كيف تنهل بيداغوجيا الإدماج من بيداغوجيا الأهداف بتوجهها التجزيئي وطابعها الإجرائي – السلوكي ، عند التعامل عمليا مع مراحل وخطوات اكتساب الكفايات وعند محاولة قياس وتقويم مدى تحققها لدى التلاميذ.