محسن الذهبي
في اطلالة متميزة ومختلفة عن السائد في معارض التشكيل ، أفتتح مؤخرا ببغداد في قاعة نخيل المعرض الشخصي الثالث للفنانة العراقية والتي تدرس في معد الفنون الجميلة نادية فليح ، تحت عنوان " قراءات لحواجز" قدمت فيه مجموعة من لوحاتها التي تطرح موضوع يتمحور على ثيمة الحواجز الكونكريتية المنتشرة في شوارع بغداد والمدن العراقية والتي انتشرت بشكل مرعب بسبب تردي الوضع الامني مما سبب في تشويه كل سمات الجمال في المدن و تقييد لحرية الانسان.
فكان اختيارها لهذا الموضوع هو أحتجاج واضح وصرخة في وادي حرية الانسان فالرمز عندها لا يبتعد عن الواقع، والرؤية صريحة ومباشرة تتحد لتعميق الشكل التعبيري بصياغة تعتمد على مخيلة تستلهم الواقع وتعيد صياغته. فالمضمون هو الذي يحدد الشكل ويتجلى من خلاله، فالفنانة ناديه فليح تحاول ايجاد معادل موضوعي بين البعد المكاني المعالج والبعد الجمالي التأثيري، فهي لا تختصر الفكرة ولا تضحي بالمنجز الجمالي، رغم اغفالها المتعمد أحيانا لدور السطوع اللوني في الابهار وجلب انتباه عين المتلقي لكنها تعوض ذلك ببعض الضربات القريبة من العشوائية القصدية ليأخذ اللون حينها دوره في تجسيد معاناة الانسان وتقييد حريته . فهي أحيانا تكتفي بالقليل منها للتعبير عن روح الموضوع وتجسيد الرمز، لذا يمكن القول إن الرمادي المختلط بالأبيض والأحمر الممتد الى سواد قاتم والذي يغطي أغلب مساحات لوحاتها، ماهو الا تعبير عن الحالة النفسية المتنامية بحدتها فالمضمون هو الذي يحدد الشكل ويتجلى من خلاله، لذا نرى أن منجزها يعتمد على الواقع المشذب البعيد عن الزوائد والبهرجة اللونية ، بل ينحاز الى البساطه التي تعتمد على الوعي وتجليات المضمون.
ان تجربتها تميزت غالبا بالتجريب الفني والخروج بنتيجه تتجاوز الافق المحدد الابعاد للوحة المسندية والخروج بها الى عالم اللوحة التركيبية مستخدمة العديد من المواد المتوفرة من ذات الواقع وتركيبها في قلب العمل بشكل لا يخرجها من افق الواقع . فهي تمزج بين عدة مؤثرات تكوينية لتعدد زوايا النظر، فقد أرادت على ما يبدو استعادة مادة فقيرة مهملة وإضفاء قيمه جماليه عليها .إنها تتوخى أشراك المتلقي في بحثه وتجربته لأثر تلك المواد المهمله كالأسلاك المعدنية وما لها من أثر في حياته اليوميه، ألسنا والحالة هذه إزاء تباين للخشونة والكثافة، وللتشابه والاختلاف تؤسس لنَظْمٍ يماثل الأداء الموسيقي الحزين قد يختلف وقعه بالضرورة بين المتلقين.
فالفعل الإبداعي لا ينجزه الفنان بمفرده، بل إن المتلقي وهو يحلل ويأول قيمة العمل الفني يحدد علاقته بالعالم الخارجي وبالتالي يسهم في المسار الإبداعي، ويمكن ان نحدد على الاقل مسارين في تجربة الفنانة نادية فليح اولهما يعبر عن دلالات "مكانية – زمانية " بشكل صريح عن الواقع العراقي المرموز له بتلك الكتل الكونكريتية الحاجزه لحرية الانسان ، اما المسار الآخر فهو البعد اللوني الاستدلالي والافق الممتد كرمز لاتساع معاناة الانسان بتعبيرية داخلية كاشفة عن هذا الصراع بشكل صريح وواضح المعالم، وعناية بالتفرد الاسلوبي وتكوين العمل الفني الذي لا يعتمد على التجريد من اجل الايهام المطلق بل هو تجريد حركي للشكل والمضمون كي يتحول الى بعد جمالي حرصت الفنانه بالتركيز على تعدد أبعاده في العمل الفني.
لا مجال للشك في كوننا في حضرة فنانه غير منقطعة عن واقع الحياة ، غير أنها ترى على ما يبدو أن إسهامها الابداعي أنساني و ليس إسهاما سياسيا مباشرا وإنما إسهاما تربويا جماليا وأخلاقيا. اختارت اللوحة كفعل للمواجهة ورفض كل ما يقيد حرية الانسان، وهي مواجهه يمكن إدراجها تحت ما يمكن تسميته مقاومة جماليه.