العرب أونلاين- عبد الدائم السلامي
مصطفى لغتيري قاص وروائي من مواليد الدار البيضاء عام 1965. يُعدّ من أغزر مجايليه إنتاجا أدبيا، إذ صدرت له في الغرض أربع مجموعات قصصية إضافة إلى عشر روايات. وقد أعلن مؤخّرا عن تجميد عضويته بالمكتب المركزي لاتحاد الكتاب بعد أن كان متحمسا للانضمام إليه. العرب حاولت تبيّن خلفيات هذا التجميد في حوارها معه.
* لماذا كنت متحمسا إلى الاتحاد ثم انقلبت عليه؟
-طبعا من حقك ومن حق غيرك أن يستغرب هذا الانقلاب الذي قد يظنه مفاجئا، ولكنه، في حقيقة الأمر، اتَّخذ لنفسه وقتا مناسبا وعرف تحولات تدريجية، حتى تبلور بشكل نهائي، فلقد بنيت موقفي من الاتحاد انطلاقا من تجربتي وخبرتي وليس بناء على تصورات الآخرين ومواقفهم. لقد كانت لي تجربة متواضعة سابقا في المجلس الإداري للاتحاد، وكنت أنتقد خلال اجتماعاته الكثير من الممارسات داخله، لكن هذا المجلس كان ذا طابع شكلي وغير فعال، وهذا ما دفعني إلى أن أقترح في أحد التدخلات إلغاءه، لأنه يستهلك جزءا من مال الاتحاد دون جدوى. قررت بعد ذلك أن أدخل المكتب التنفيذي لأدافع عن تصوري للعمل داخل هذه المنظمة العتيدة، وما إن تحقق ذلك، واطلعت بعمق على الأمور الداخلية، حتى تأكدت بأن المنظمة عصية على الإصلاح وأن أخطاءها بنيوية وهيكلية.
* ذكرت في بيان لك أنّ تجميد عضويتك بالاتحاد يعود إلى خلاف تمّ بينك وبين رئيسه، حول ماذا اختلفتما؟ وهل الاختلاف يعود إلى نزوع عندك إلى الزعامة؟
-قد يكون النزوع إلى الزعامة حقا مشروعا للجميع، ضمن ضوابط واضحة ومعلنة، لكن في حالتنا هذه لا يتعلق الأمر بمرض الزعامة بل بأشياء موضوعية، كنت شاهدا عليها وعلى تفاصيلها. فاتخذت قراري بكل حرية وصدق ومسؤولية، حتى لا أخسر نفسي التي أعتز بها. لقد لاحظت أن الأخ الرئيس يتخذ القرارات دون أن يستشير باقي أعضاء المكتب التنفيذي، وقد نبهته كتابيا إلى ذلك، خاصة حينما لاحظت أنه اتخذ قرارات في مجال اختصاصي، أقصد النشر، واقترحت عليه أمورا عملية لتدارك هذا المشكل، لكن بدل أن يعتذر ويعد بإصلاح الأمور توجه إلي بكلام غير لائق ومتعال وفيه نبرة سلطوية، لا تليق بكاتب مثقف. فرددت عليه حينها بأنني سأتجاوز هذا الأمر. بيد أني إن تأكدت من أن الطريقة التي يشتغل بها نهج لا بديل عنه، فإنني سأعلن أنني غير معني بذلك ولا يلزمني في شيء. وهذا بالفعل ما حدث. لقد تأكدت من أن طريقة عمله بعيدة عن المفهوم الذي أومن به في تسيير منظمة، تدعي أنها حداثية وديمقراطية ومستقلة.
* ولكن الغالب على الآراء أنّك كنت وراء تمكين العلام من رئاسة اتحاد الكتاب بعد تخلي رئيسه السابق عبد الحميد عقار؟
-علاقتي بالأخ عبد الرحيم العلام علاقة عادية، أكن له كل الاحترام وأظنه كان يبادلني الشعور نفسه. ولأنيّ أدعو دوما إلى إبعاد سلوكات بعض الحزبيين عن الاتحاد، كنت طالبتُ الأخ العلام بترشيح نفسه، ظنّا منّي بأنه الشخص المناسب لقيادة الاتحاد. وقد تفاعل الأخ العلام مع الدعوة وفتح قنوات التواصل معي، وقد كانت النتيجة أن أعلن ترشحه بعد أن كان قد عبر عن عدم رغبته في ذلك. ودعمته في ذلك بشكل واسع وفعال، وأعتقد أنني ساهمت بشكل كبير في توليه الرئاسة.
* لمَ لم تستقل من الاتحاد بدل تجميد عضويتك فيه؟
- كنت قد فكرت بداية في الاستقالة، لكنني قدرت بعد تفكير طويل أن التجميد أفضل، حتى لا أعيق باقي الإخوة على مواصلة مهامهم. كما أنني راهنت من خلال هذا التجميد على أن يكون دعوة قوية لإعادة التفكير في الطريقة التي يسير بها الاتحاد، حتى يمارس باقي الأعضاء مهامهم كاملة، في استقلالية وضمن جو من التشارك والاحترام المتبادل وتحمل المسؤولية. ومن هذا المنطلق أعتبر تجميد عضويتي مساهمة في تقوية المكتب التنفيذي وليس إضعافه.
* هل يمكن الحديث عن استقلالية لاتحاد الكتاب بالمغرب في تسيير شؤونه؟
- لا أتصور اتحاد كتاب المغرب إلا مستقلا عن الدولة وعن الأحزاب السياسية. ويرجع الكثير من الملاحظين أهم أسباب أزمة الاتحاد ارتباطه ببعض الأحزاب السياسية التي وظفته في وقت من الأوقات لانتزاع مكاسب سياسية، قد تكون ضيقة في بعض الأحيان، لكنها تخلت عنه حينما اندمجت في الحكم. بل هي أدارت له وجهها تاركة إياه عرضة للاستغلال من طرف بعض منتسبيها، يوظفونه للتموقع الجيّد داخل أحزابهم أو للتفاوض مع الدولة على المناصب. وكنت أعتقد أن وجود الأخ العلام في الرئاسة يقضي على هذا النوع من استغلال الاتحاد، ولكنني اكتشفت بعد حين أنني كنت مخطئا، خاصة بعد القرار الذي اتخذه الرئيس بانتداب محام لخالد عليوة المتابع في قضية اختلاس مال عمومي. وقد تم اتخاذ هذا القرار الانفرادي مباشرة بعد تحرك عدد من الأشخاص المنتمين إلى حزب خالد عليوة لمساندة رفيقهم والضغط على الدولة لإطلاق سراحه، مما يعني أن قرار الرئيس غير مستقل، وقد ناقشنا الأمر بحدة في اجتماع مع رئيس تحرير جريدة وطنية تابعة للحزب الذي ينتمي إليه عليوة، بعد إثارة الموضوع، وعبرت هناك عن رفضي القاطع للأمر.
*هل تنفي وجود ديمقراطية في تسيير شؤون الاتحاد؟
- أجزم بأن الاتحاد بعيد عن التسيير الديمقراطي، فالرئيس وحده من يتخذ القرارات ويبلغنا بها، خاصة القرارات المهمة والمصيرية، أستثني من ذلك الاجتماع الوحيد الذي اتخذنا فيه بشكل ديمقراطي بعض القرارات التنظيمية البسيطة. أما كل هذه الشراكات والاتفاقيات وتوكيل بعض الكتاب ببعض المهام والنشر ومواقف الاتحاد، فالرئيس وحدة تقريبا من يتخذها. وقد صدق عضو في المكتب التنفيذي حين قال لي بأن الرئيس يعاملنا كمستخدمين، وكل من رضي عنه الرئيس قربه منه أكثر وأوكل له مهاما واستشاره فيما يقوم به، وكلما غضب من شخص أهمله وعسر عليه القيام بمهمته. ومن تجليات هذا النوع من التسيير أن الرئيس قد يكلفك بمهمة، وبعد أن تمضي فيها قدما يتصل بآخر ويسندها إليه، أو أن يتدخل في مهامك بشكل سلس ودون عقد، وحتى دون استشارتك. إنه يتقمص شخصية "الأب" الذي يشرف على أبنائه.
* ما هي إذن مكامن الخلل في تسيير الاتحاد ؟
- للأسف يعاني الاتحاد من جميع الأعطاب، فهو مختزل في شخص الرئيس، بمعنى أنك إذا فكرت أن تطبق تصورك في الاتحاد فكن رئيسا أو لا شيء غيره، ربما أثرت على الأخ العلام الفترة التي قضاها يشتغل وحيدا في الاتحاد، فاستمر على نفس النهج، رغم أن هناك إخوة في المكتب التنفيذي مستعدون للاشتغال، كما يعاني الاتحاد من عدم وجود الشفافية، فالمهام، وخاصة منها ما هو بمقابل مادي، تُمرر دون شفافية ولا إعلان ولا أي شكل ديمقراطي، هناك أناس يستفيدون من الاتحاد بشكل غير ديمقراطي أو شفاف، حتى أنه يمكننا الحديث عن ريع ثقافي، أتمنى الانتباه إليه والحد منه.
* ما هي الأدوار الحقيقية التي ترى أنّ الاتحاد راح يتخلّى عنها؟ وفي مصلحة مَن كان هذا التخلي؟
- أظن أن الاتحاد يحيا في خضم مرحلة حاسمة من تاريخه، وسيصبح مع مرور الأيام منظمة عادية جدا، فقد لاحظت أن الهم الثقافي بمعناه العميق غائب، وأن الهم التدبيري والحصول على شراكات وأموال أهم من التركيز على تأسيس موقف واع، يحفظ للمنظمة مكانتها. وأخشى أن يصبح وسيلة للتموقع والترقي الوظيفي والسياسي والمالي. هناك شراكات مع بعض الجهات لا يمكن فهمها أو تفهمها، وهناك أموال كثيرة في الأفق، حتى أن الاتحاد قد يقطع مع العمل التطوعي، وقد سمعت ذلك يوما من فم الأخ الرئيس، بمعنى أن أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد سيتقاضون أجرة عن المهام التي يقومون بها. حينذاك قل على الاتحاد السلام.