محمد الخضر
تبين الكاتبة ميادة إسبر في كتابها "شعرية أبي تمام"، الصادر عن وزارة الثقافة، أن المذهب الفني لهذا الشاعر أثار جدلا واسعا حول قضية الشعر المحدث ومدى مقاربته للنموذج الجاهلي الذي تناقله الشعراء، وما حققه شعره من ميزات أدبية إزاء مسائل اللفظ والمعنى وقضايا البديع.
وتوضح إسبر مسارات نظرية الشعرية الحديثة، وعوامل نشأتها والإفادة من مقولاتها ومبادئها في كشف عناصر شعرية أبي تمام التي كانت مثار جدل أنتج حركة نقدية لا يمكن للباحث أن يتغافل عنها أيا كانت أهدافه، مبينة قدرة النظرية الحديثة على مقاربة ما انتهى إلينا من نصوص التراث العربي، ومدى استجابة هذه النصوص لمفاهيمها وأدواتها.
هذا بالإضافة إلى نظرة النقد القديم إلى البديع بوصفه زخرفا لفظيا زائدا على المعنى. فقد كان الموقف النقدي من مسألة البديع أولا، ومن مسألة المعنى ثانيا، وراء ذلك التباين الذي يوجد في مواقف النظريتين إزاء مذهب أبي تمام وتعني بذلك نظرية الشعرية القديمة والحديثة.
وكشفت الناقدة أن ملامح شعرية أبي تمام في ضوء رؤية تستمد أدواتها من معطيات النظرية الألسنية، انطوت على نوعين من الصعوبات، يتعلق الأول بالنظرية، بينما يتعلق الثاني بالتنوع الذي وسم الموقف النقدي إزاء مذهب أبي تمام الفني في نقدنا العربي قديمه وحديثه لتكوين رؤية نقدية واضح، انطلقت منه لدراسة تلك الملامح الشعرية.
كما اعتمدت إسبر على المنهج البنيوي، لأن النظرية الشعرية الحديثة حسب رؤيتها وليدة البنيوية الأدبية، فانتقلت بالبحث في الماهيات إلى البحث في الطرائف والكيفيات، معتمدة على التحليل العلمي والتطبيق في مختلف الحقول المعرفية الأدبية، منتقلة من ذلك إلى دراسة أبرز الملامح التي شكلت خصائص مذهب أبي تمام كاللغة الشعرية، كما تناولت مسألة البديع وصلته بقضية اللفظ والمعنى، ودرست العلاقة بين الشعر واللغة فيما أورده أبو تمام.
وانتقلت الناقدة إلى كشف موقف النقد العربي القديم من لغة أبي تمام، ووقفت عند ظاهرة الغريب في شعره وقابلت بين مواقف الشعرية القديمة والشعرية الحديثة من غريب أبي تمام، ودرست صلة الغريب بالمعنى، وتعرضت أيضاً إلى إشكالية المصطلح والمفهوم والمبادئ والاتجاه النظري الذي اشتغل على التحليل والمقارنة مع المنتج النقدي العربي الموروث لشرعنة النظريات الجديدة المطبقة على شعر أبي تمام.
وركزت إسبر على مفهوم الانزياح بصفته المجال الذي توصلنا من خلاله إلى جملة من النقاط تفصل نظرية الشعرية عن حقل البحث الأسلوبي، بوصف كل منهما انتاجا مباشرا للنظرية اللسانية الحديثة، ورأت اسبر أن الأسلوبية تتجاوز الشعرية إلى أساليب الخطاب الإنساني مهما تنوعت وظائفه وتسعى إلى ضبط القوانين التي تجعل الفاعليات الأدبية ممكنة.
كما درست إسبر التضاد والتوازي عند أبي تمام، والعلاقة بين التضاد ولغة الشعر، وفاعلية الطباق والمقابلة في توليد المعنى من خلال محور الطلل الذي اختارته نموذجا للدراسة، متوغلة في شعرية النفي والجناس والتكرار، ووظيفة النفي في إبراز المعنى عند هذا الشاعر الكبير.
"سانا"