أهمية استهلاك المنتوجات في وقتها وفي محلها من الأسس الضرورية في الطب الغذائي
يعتبر وجود النبات في وقت معين ومكان معين من السنن الكونية التي يجب أن لا يمسها الإنسان، وربما يقول قائل هذه علوم والعلوم مسخرة من الله العزيز الحكيم، نعم لكنها ليست مسخرة في الفساد، فاكتشاف القنابل يعتبر علما لكنه للهلاك، واكتشاف التغيير الوراثي يعتبر علما لكنه سيقضي على الكون. وفكرة الأرض لن تكفي إذا بقي النمو الدمغرافي على ما هو عليه جهل وإنكار لوجود الله الذي يقول في سورة فصلت: قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين- ولذلك يجب على العلماء أن يقفوا في وجوه الذين يشككون في الوحي، وفي وجود الله سبحانه وتعالى، ويريدون أن يتفضلوا علينا وكأننا جهلاء لا علم ولاشرع لنا.
من المعلوم في علم النبات أن لكل صنف دورته في الحياة، ولكل صنف مكانه الذي ينبت فيه على كوكب الأرض، وقد وزع الله سبحانه وتعالى النبات على الزمان بالموسمية، وعلى المكان حسب المناخ والتضاريس، ولذلك لا ينبت الليمون في الطقس البارد، كما لا يعطي العنب ثماره في فصل الربيع، ولا يتحمل التفاح الطقس الجاف والحار، ولا تنبت الطماطم في الطقس البارد، ولا ينبت البصل في شهر يونيو كما لا ينبت القزبور في البرودة. ولا يزهر اللوز إلا مع خروج فصل الشتاء، ولا تنبت البطاطس في شهر شتنبر، ولا ينبت اليقطين في شهر دجنبر، ولا ينبت الخرشوف في شهر يوليوز، ولا يحتفظ النعنع برائحته في فصل الخريف والشتاء. فهذه أمثلة فقط ولا تمثل إلا القليل، بل كل النبات له وقت ومكان وطقس معين وربما تربة معينة ينبت فيها، ولذلك نلاحظ أن إنتاج بعض الخضروات خارج موسمها يعتبر من الأخطاء الكونية التي ارتكبها الإنسان باسم العلوم والتقدم، وهو غرور أصاب بعض الباحثين.
واقتناء الخضر والمواد النباتية الطازجة في موسمها من أهم الأسس في علم التغذية، لأن التركيب الكيماوي لهذه المنتجات يتغير كلما خرج عن وقته، ويلاحظ الناس أن الخضرة إذا خرجت عن موسمها يتغير مذاقها، وتتغير طراوتها، وهذا التغيير ما هو إلا تفاوت في نسب المركبات الكيماوية، ولذلك يجب ألا ينصح بعض الذين يدعون بعلم التغذية بمنتجات خارج موسمها أو بمعنى أدق بمنتجات الدور الزجاجية لأنها ليست طبيعية، نظرا لخروجها عن وقتها وعن مكانها وعن الطقس الذي تنبت فيه، وربما تظهر بعض المركبات الكيماوية التي لا توجد في المنتجات الطبيعية.
ما هي مزايا تناول الأغذية الموسمية ؟
من الأكيد أن المنتوجات لها وقت معين ومحدد، ومما يدل على وحدانية الله في خلقه هو احترام هذا الخلق الذي خلق بعلم وبتوازن، والذي جعله الله ليلبي حاجة الجسم بالتدقيق. وهذا البرنامج الغذائي الموسمي هو من وضع الله سبحانه وتعالى, ويرتكز على أساسين رئيسين: الأساس الأول ألآ يأكل الناس إلا الخضر والمنتوجات التي تظهر في كل موسم طبيعيا، بمعنى بدون الخروج عن الموسم بطريقة التقنيات الزراعية الحديثة، أو بطريقة التصبير أو بطريقة الدور الزجاجية. والأساس الثاني أن يأكل الناس من المنتوجات المحلية التي تظهر في المنطقة التي يوجد فيه الشخص، وأن يراعي طبيعة هذه المنتوجات.
ويعتبر هذا النظام الغذائي الذي يراعي الموسمية والمحلية، طريقة طبيعية راقية في تنويع الأغذية من حيث يكون الجسم في توازن غذائي مستمر على مدارالسنة، ويتبع هذا النظام الاستفادة من مستوى المكونات الغذائية والطبية الموجودة في المنتوجات الموسمية. ولو أن كثير من الناس نسوا هذه الموسمية، نظرا لوجود المنتوجات في السوق على مدار السنة، وهي إما منتوجة خارج موسمها أو مصبرة أو مخزنة تحت البرودة أو مشععة لكي لا تنبت, ولا تنفع هذه المنتوجات في التغذية لأنها تفقد خصائصها الطبيعية تحت تأثير الأنزيمات الداخلية، ولأنها تستهلك خارج وقتها. فالمواد التي تناسب حرارة فصل الصيف ليست هي المواد التي تناسب برد الشتاء.
وهناك بعض الدراسات التي أجريت في بعض الدول الأوروبية، ومنها ابريطانبا حول تركيبة الحليب التي تتغير مع الموسم، فحليب الشتاء كان فيه اليود مرتفع، بينما كانت البيطاكاروتين مرتفعة في حليب الصيف، وقد أرجع الباحثون هذا الحادث إلى كون الأبقار لا تتغذي على نفس الأغذية في الصيف وفي الشتاء. وهناك دراسة أجرية في اليابان على الإسبانخ، حيث تفاجئ الباحثون بتركيز الفايتمين س الذي كان يختلف من الصيف إلى الشتاء بثلاتة أضعاف.
فصل الربيع: الخضر الرطبة ذات الأوراق التي تنبت في فصل الربيع، وهي المنتوجات الخضراء الكثيرة ومنها القرعيات والجلبان الأخضر والبقول والفول واللفت الأصفر والأبيض والبصل الأخضر والبادنجان والبطاطس والفلفل والقزبر والإسبانخ والفواكه مثل الزعرور والكرز والفرولة والليمون، وفصل الربيع هو فصل الخشاش والحشائش الخضراء التي تخرج في فصل الربيع. ويستهاك فيه الشعير الأخضر أو التلبينة، وفصل الربيع هو فصل الحليب واللبن والزبدة، ولا يستهلك فيه اللحم بكترة.
فصل الصيف: الخضر والفواكه الخفيفة، والخضر الصيفية ومنها البصل والبروكولي واليقطين والنعناع والطماطم والتفاح والبرقوق والعنب والتين الطري والصبار والبطيخ الأحمر، والفقوس، وفيه الفاصوليا الخضراء والحمص الأخضر، والذرة الطرية، ويؤكل فيه خبز الشعير ويستغنى فيه عن خبز القمح، ولا يؤكل فيه الدجاج بكثرة، ويؤكل فيه لحم العنز، وفصل الصيف هو فصل الفواكه الطرية الموسمية وعلى رأسها العنب، والبطيخ الأحمر.
فصل الخريف: تناول الخضر الخريفية ومنها السفرجل والثوم والزيتون والجزر والبطاطا الحلوة. وفي فصل الخريف تستهلك التوابل الحارة مثل الزنجبيل والخرذل والفلفل الأحمر اليابس واللوز والجوز وزيت أركان والخروب والكرفس والخرشوف والبسبس والثمور والبلوط والنبق وثمار الدوم والليمون والقاعدة العامة في علم التغذية هي أن كل المنتوجات التي تأخذ وقتا طويلا في النمو تصنف مع المواد المسخنة للجسم مثل الثمور والزيتون والبرتقال واللوز والجوز وكل المنتوجات الحيوانية، وتستهلك الذرة أكثرمن القمح وينتهي استهلاك النعناع والبصل اليابس.
فصل الشتاء: المواد الساخنة ومنها كل المنتوجات الحيوانية والدجاج البلدي والبيض البلدي، وزيت الزيتون، والثمور والجوز واللوز والخرشوف والبسبس والبقول والسلق والكرفس، وينتهي استهلاك النعناع والبطاطس واللفت والطماطم. وتستهلك الذرة في فصل الشتاء ويلغى استهلاك الحليب. وتستهلك القطاني الجافة مثل العدس والفول اليابس، وفصل الشتاء فصل الحبوب التي تشمل النشويات، وهي القمح والشعير والذرة، وكذلك القطاني وتشمل كل من العدس والفاصوليا والفول والحمص. ولا يضر استهلاك الشحوم في فصل الشناء مثل السمن الحار والقديد أو ما يسمى بالخليع.
ربما تكون بعض المنتوجات غير موجودة في بلد ما، ولذلك لا يجب التقيد بما ذكرنا في حالة وجود منتوجات طبيعية تخرج في منطقة معينة وفي موسم معين، فالأساس هو تناول الخضر والفواكه والحشائش والخشاش الموجود محليا وموسميا. فإذا كانت دول أمريكا اللاتينية مثلا يوجد بها فواكه تختلف عن الفواكه التي توجد في دول المغرب العربي، فعليها أن تتناولها بدون تحفظ وبدون سؤال. ونحن نعلم أن كثيرا من التوابل تنبت بدول افريقيا وبعض دول آسيا والهند أو الصين، ومنها ما ينبت في بعض الدول الإفريقة، فالتمور مثلا لا تنبت في الدول الأوروبية، والقهوة لا تنبت إلا في بعض الدول، وكذلك الحوامض وبعض الخضر كالطماطم، ونبتة الحياة ginseng لا تنبت إلآ في الصين وكوريا، ونبات الدغموس Euphorbia لا ينبت إلا في المغرب. وقد فرق الله سبحانه وتعالى كل المنتوجات على المناطق، حسب ما يتطلبه المناخ والطقس، وكذلك نوعية البشر وطبيعة جسم الإنسان، فالإسكيمو يعيشون على منتوجات البحر لأنها تسخن، وكمية حمض الأوميكا 3 لما تكون مرتفعة تجعل الجسم يستفيد من الطاقة التي يتناولها بمردودية أكبر. والحوامض تنبت في الدول المتوسطية ودول أمريكا، ولا تنبت في الدول الأوروبية التي يكثر فيها الحليب علىعكس الدول الإفريقية، فزيلاندا الجديدة لوحدها تقدر على سد حاجيات الدول العربية من الحليب والزبدة.
ولا يمكن أن نتجاهل هذه المعطيات لأن وجود مادة غذائية في منطقة ما، يعني أن لها دور في تغذية الإنسان الموجود في تلك المنطقة, وقد يطغى الفكر التجاري على العلوم، ليغير التصدير والاستيراد نمط الاستهلاك، لكن قد لا يضر ذلك لما يتعلق الأمر بالمواد الطبيعية القابلة للتخزين كالحبوب والتوابل والقهوة والشاي والزبدة والزيوت، لكن لا ينفع الأمر كثيرا مع المواد الطرية، وربما لا ينفع مع اللحوم، ولو كانت موضوعة تحت التلج أو معقمة.
الدكتور محمد فائد