خلود الفلاح
بمناسبة صدور روايتها الجديدة "نادي الصنوبر" نتحاور عبر هذا الفضاء الثقافي حول أسئلة الرواية مع الشاعرة والروائية ربيعة جلطي التي لئن دخلت عالم الكتابة السردية برواية " الذروة" فإنها لن تخون الشعر أو كما وصفته حبيب العمر. تحاول الكشف من خلال رواياتها عن صوت الانسان المهمش والمقهور، كتبت عن النساء "اندلس وسعدية وعذرا وياقوت" ولكن لم تنحز للنساء فقط.
* بعد عدة مجموعات شعرية كتبت الرواية. هل يمكن اعتبار ذلك محاولة أخرى منك للتجريب؟
_ الكتابة سباحة في المجهول المعلوم، حينما أكتب أشعر أني مثل الطائر المهاجر الذي حين يحين موسم الرحيل إلى مناخ أو فضاء أو جغرافيا أخرى، بحدس شعري غير مفسر، يرفع جناحين، يشهرهما ثم يسافر.
الطيرهذا حتى وإن كان لا يعرف الطريق كما نتصورها نحن، وكما يهندسها المهندسون، فإنه يدرك أن الرحلة ستكون في هذا الاتجاه وليس في اتجاه آخر غيره، وأنا كهذا الطائر حين أشعر بحدس الكتابة أرفع جناحي، أشهرهما، ثم أبدأ الرحلة نحو مغامرة الرواية أو مغامرة الشعر، وأحدس بأنني ذاهبة في الاتجاه الذي أريده.
الكتابة تجريب مستمر، هي مثل صخرة سيزيف نرفعها عاليا حتى آخر التلة، ثم حين تهوي نعاود التجربة دون يأس بكل ألمها ودهشتها ومتعتها. والتجريب في الكتابة دهشة، أما حين يكون تجريب الكتابة هذا داخل فضاءي جنسين أدبيين أو داخل لغتين فإن متعة الدهشة تكون مضاعفة، كذلك هو حالي في الانتقال أو المرور غير المفسر من نص شعري مكثف يؤوّل حسب ثقافة قارئه درجات، إلى نص سردي روائي تتوسع أزمنته وأمكنته وشخوصه وتتداخل أحداثه مثل خيوط العنكبوت.
هواجس الحكاية
* هل شعرت يوما بخيانة الشعر؟
_ الشعر لا يمكن خيانته، إنه مثل حبيب العمر، نضع على صدره رأسنا ونحلم حتى الموت، حين وُجِدْتُ وَجَدْتُ الشعر فيّ أو وجدتني فيه، هي أدوار نتبادلها دون أن نعرف من خلق الدور، ودون أن نعرف من يلعب دور من؟ الشعر الذي لا يوجد في الحياة، في حياتنا، في حياتي، عليه اللعنة، هو كتابة وليس شعرا، الشعر موجود شأنه شأن الموسيقى في تفاصيل يومي من كلمة "صباح الخير" أقولها لابني هزار إلى "مساء الخير" أقولها لابني إلياس إلى "سفر سعيد" أقولها للينا ابنتي إلى عبارة" أي فيلم سنشاهده هذا المساء؟ " أقولها لأمين... هو الشعر نَفَس وهواء وناس. وحين أكتب الرواية دون شك لا أطرد الشعر خارج البيت أو أنفيه من نبض المداد، إنه هنا في عروق السرد وفي خفقان الشخصيات وفي هواجس الحكاية. من خان الشعر خان الصدق في الحياة.
عزلة الرواية العربية
* في أحد حواراتك قلتِ: "الروايات في الساحة الثقافية تكاد تكون متشابهة، وكأن لا أغلفة تفصلها ولا عناوين ولا تواريخ. برأيك هل أصبح السرد العربي عاجزا؟ وهل تجاوزت بأعمالك الروائية ما لم يعجبك في الأعمال الروائية التي تحدثت عنها؟
_ أشعر بأن السرد العربي مع استثناءات قليلة يعيش خارج الصدق، يبدو أن الكتابة الروائية العربية فيها كثير من الاستسهال، إني أشعر بأننا انفصلنا، في الكتابة الروائية المعاصرة، من جهة عن الموروث السردي العربي الكبير من كتابات المعري وأبي حيان التوحيدي والجاحظ وألف ليلة وليلة وكتب الأخبار والنوادر واللصوص وكتب الفقهاء الجريئة فلم نعد نقرأها بعد أن صادرها التحنيطيون والمتطرفون في العالم العربي والإسلامي. ومن جهة أخرى وفي ضوء ضعف الترجمة إلى العربية وضعف تعليم اللغات الأجنبية أصبحت علاقتنا بما يكتب في الرواية العالمية محدودة إن لم أقل معزولة أو مشوهة نظرا للترجمات المقموعة. انطلاقا من ذلك يبدو لي أن الرواية العربية تحتاج إلى تثقيف وإلى إعادة وصلها من جهة، وبشكل نقدي، بالتراث السردي العربي الكبير ومن جهة أخرى بالمنجزات العالمية الكبرى في باب الرواية الانسانية خاصة الرواية الآسيوية الشرقية، وأقصد بذلك الرواية اليابانية والكورية والباكستانية والصينية، ففي هذا المنجز الروائي الشرقي كثير من تقاطعات السرد الذي فقده العرب، فأعتقد أن العودة إلى مثل هذا السرد الآسيوي الشرقي الكبير من شأنه أن يفتح التجربة الروائية العربية على تجريب متميز في الكتابة التي نطمح دفع الرواية العربية والسرد العربي في اتجاهه.
.