ادارة المنتـدى Admin
عدد المساهمات : 1842 تاريخ التسجيل : 01/11/2011
| موضوع: جوانب من تاريخ المغرب : هل فعلا فسد الزمان وأهله ولاحول ولا قوة إلا بالله ؟ (2) الأربعاء نوفمبر 02, 2011 11:59 am | |
| جوانب من تاريخ المغرب : هل فعلا فسد الزمان وأهله ولاحول ولا قوة إلا بالله ؟ (2)
عبد الرحمن القاسمي " التاريخ عبر، لأجل ذلك وجب علينا أن نعترف رأسا بمحدودية إصلاحات مغرب القرن19، فنقدر تلك المحاولات حق قدرها ونستقصي أسباب فشلها استقصاء صارما حتى لايكون إصلاح اليوم فاشلا لنفس الأسباب التي أفشلت إصلاح الأمس"
استأثر مغرب القرن 19 باهتمام العديد من المؤرخين والباحثين من ذوي التخصصات المتباينة،ومما لاشك فيه أن موضوع الإصلاح قد حظي بنصيب أوفر من هذا الاهتمام.فقد شهد المغرب دعوات ومشاريع وحركات إصلاحية في سياق الاحتكاكات الأولى التي وقعت بين المغرب وأوربا أو ما يعرف بصدمة الحداثة كما تردد في أدبيات وفكر النهضة.
والإصلاح بالتعريف هو وليد أزمة وليس صدفة،فأزمة مغرب القرن 19 بتداعياتها المعروفة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لم تكن وليدة تلك الفترة بالتحديد من تاريخ البلاد وإنما جاءت نتيجة تضافر مظاهر الفساد البنيوي مع احتدام شدة التنافس الامبريالي حول المغرب.فالإصلاح إذن باعتباره مرتبطا بالضغط الامبريالي المتصاعد الذي كانت تمارسه الدول الأوربية على مجموعة من الأقطار المستضعفة ومن ضمنها المغرب،قد أخد شكلا وهميا لأنه جاء بإيعاز من قوى أجنبية كان غرضها الحقيقي النفوذ إلى المغرب للسيطرة عليه واستعباده أي أنه في خاتمة المطاف لم يكن إصلاحا وإنما كان يتخذ من حاجة المغرب إلى التطور والتجديد ذريعة لتحقيق بعض أطماعه.
إن رهن مصير التجربة الإصلاحية المغربية بالاعتماد على الخبرة الأوربية يعبر عن مأزق الإصلاح الرسمي،إذ لم يكن بمقدور السلطان مقاومة الضغوط التي تمارسها الدول الأجنبية إلا بتقوية الجهاز الدفاعي وإصلاحه ولم يكن بالإمكان تحقيق ذلك الإصلاح إلا باللجوء إلى أوربا والاستعانة بخبرتها.ولن أركز على التدابير الإصلاحية والتي مست الإدارة والاقتصاد والجيش خاصة في عهد السلطان الحسن الأول ( إرسال بعثة عسكرية للتدرب في أوربا،جلب خبراء عسكريين لتدريب الجيش المغربي كالحراب ماكلين على سبيل المثال / منح راتب شهري لأمناء المراسي للحد من الرشوة ... ) بقدر ما أعطي الأهمية لجوانب حاسمة ومسؤولة على إفشال تلك الإصلاحات.
الغالب على الظن أن التجربة الإصلاحية التي خاضها سلاطين مغرب النصف الثاني من القرن 19 وبصرف النظر عن مردوديتها السلبية،مثلت محاولة جادة تعكس رغبة أكيدة لتجاوز الحالة المتردية التي أصبحت عليها الهياكل الإدارية والعسكرية وتستهدف تقوية تلك الهياكل لمواجهة تحديات القوى الأوربية.وقد يطول بنا الحديث إذا رمنا رصد عوامل الإخفاق رصدا تفصيليا تكفي الإشارة إلى ما كان لعامل التدخل الأجنبي المتزايد من دور في إفشال تلك المحاولات،بل العمل على تحريفها وتوجيهها الوجهة التي تخدم مصالحه هذا من جهة؛ومن جهة أخرى لم يتم إعداد الرأي العام المغربي الذي لم يكن ينظر بعين الرضا إلى أي خطوة تحديثية ويعتبرها مخالفة لروح الإسلام مادامت مستوحاة من " بر الكفار"؛ينضاف إلى موقف الرعية هذا تحفظ بعض العلماء والأوساط المخزنية وضيق أفقها (الفئات المستفيدة تخوفت من أن تفقد مكانتها لصالح قوى صاعدة أخرى).
ولم ندخل في الحسبان إلى الآن عاملا له دور حاسم – كان غائبا لدى المغاربة – في كل حركة إصلاحية وهو العامل الفكري.فالتقدم المادي الذي شاهدته أوربا في القرون الحديثة كان مقترنا بتقدم علمي بصفة خاصة وتقدم فكري بصفة عامة.أما مغاربة القرن 19 فأين هم من هذه الفكرة التي لابد منها لمن شرع في الخروج ببلاده وأهله من حالة الجمود؟ هل تنجم فكرة التقدم في أذهانهم وهم لم يشاهدوا أي تقدم في الوسائل التقنية ولا أي نمو في الإنتاج؟ هل تنجم هذه الفكرة في أذهانهم وما شاهدوه هو بالعكس ذلك التقهقر الذي كان ابن خلدون قد تأسف عليه في القرن 14 الميلادي ولم يزد بعد ذلك إلا تفاقما؟ لا يتصور ذلك.فالفكرة السائدة في عقلية مغاربة القرن 19 هي فكرة الذين يرون على حد تعبير السلطان عبد الرحمان بن هشام أنه " فسد الزمان وأهله ولاحول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم ".
يؤكد فشل تلك التجربة التحديثية،أن أية محاولة تروم إدخال عناصر التحديث على بنيات اجتماعية وذهنية تقليدية دون أن توازيها عملية تحديث شامل وكلي، تبقى محاولة محكومة بإخفاق متواصل وغير قادرة على إحداث تحول حقيقي. | |
|