خنزير في ساحة العرضات
قراءة في قصة (خنزير ) للقاص صالح جبار محمد
يحيى الحميداوي
--------------
يعتبر الخنزير من الحيوانات التي حظيت بكره شديد من قبل الديانات اليهودية والإسلامية وكذلك الوثنية أيضا فهو تعبير عن النجاسة والانحطاط لما له من صفة (الديوث) كما هو معروف عنه وفي أسطورة الإلهة حيث قام الخنزير بقتل الإلهة المحبوبة حين تمثل اله الشر بصورة الخنزير ,ومن العادات المتوارثة في مجتمعنا الشرقي والتي تعتبر تقليل من قيمة المرء أو الحط من شانه إن يوصم بصفات غير محببة أو ينعت بنعت يوحي بالدونية كان يقال (أنت خنزير أو ماشابه ذلك من تشبيه بالحيوانات أو الصفات المقيتة)وفي قصة الأستاذ( صالح جبار محمد )استطاع الربط بين الموروث الشعبي والحدث الواقعي الذي تمكن من إن يرسم إبعاده في مرحلة الخدمة العسكرية وبالضبط في معسكر التدريب والتي اعتبرت هذه المؤسسة في المرحلة الظلامية التي مر بها العراق تعبير عن هدر وضياع لكرامة الإنسان بكل صفاتها وإشكالها أنها رسم للصورة السوداوية التي كان يعاني منها الأغلب الأعم يشعر بها من اكتوى بتلك النار ومن اقتيد إلى أداء الخدمة العسكرية وهو ناقم على كل شيء لأنه على علم سوف يفقد كرامته واحترامه لنفسه ولا يستطيع فعل ادني شيء ,استطاع القاص اقتناص اللقطة بلغة سلسة وسهلة اوحت بمقدرة عالية على توظيف الواقع بالمخيلة والمزاوجة بين الذكريات وتداخلها بروحية الحاضر بأسلوب الإبهار وجعل القارئ مشترك وفاعل أساسي في سرد القصة فالكثير منا استرجع لحظات الخدمة العسكرية والمعاناة التي لاقاها في تلك المرحلة وأعاد في ذاكرته العبارات والألفاظ النابية التي اختزنها في مخيلته ,وما صورة الجد الذي أزعجه رؤية الحيوان النجس الذي اقتاده الأب والابن بعد أن وجدوه في القصب إلا تعبير عن ذلك الموروث الذي تحدثنا عنه وكيف انه مكروه لأنه لايرفع رأسه للسماء وما تسمية الخنزيرة (المضخة التي تقوم برفع الماء )والتي تعتبر تسميتها ربما جاءت لتواجد الخنازير بكثرة في الأماكن الزراعية ,والربط الذي استخدمه القاص في مزاوجة بين صورة الخنزير والضابط الذي سئم من فضاضة أخلاقه وتصرفاته المقيتة ,حين يعجز الإنسان عن رد الظلم والتعبير عما في داخله في لحظة الحدث وحينما يلاقي ما لا يرغب به ويستمع لما لايود يكون عقله الباطن حاضرا للتقليل من هول الحدث وفتح منافذ للتعبير هذا ماشعرنا به حين قراءة القصة وحين دخول البطل إلى بيت الخلاء الذي عبر عنه القاص برمزية يمكن تحليلها على أنها ساحة العرضات لنجاسة المكان الذي تهدر به الكرامة ودخول العريف لنفس المكان وإصداره أصوات كما الأصوات التي يصدرها الخنزير وكأنه يريد إن يقول (أنت الخنزير وليس إنا )ولكن لعدم قدرته على المواجهة في تلك اللحظة استخدم عقله الباطن في التعبير والمواجهة وهو إفراغ لشحنات الغيظ التي كانت تعتريه وتقلق مضجعه وتزيد وجعه ,الانسياق في الإحداث يعطي صور شتى حتى وان لم تكن موجودة في فلك القصة إلا إن القارئ يرسم إبعاد أخرى لمرحلة متعبة اكتوى بسعير نارها الملتهبة ويضع نفسه في مواضع عديدة ويشعر بألم المرحلة ومعاناتها ,بالرغم من إن البطل يعلن بكل قوة وعلى لسان الجميع بان مايحدث ليس لنا شأن فيه (خنازير تبحث عن نفسها ) ونحن في لجة الحدث بين تلك الخنازير نتلوى وجعا وضياع وتسحقنا عجلة الصراع بلا رحمة فنكون بين المتصارعين ضحية لما يجري بينهم ..صراخ الذات (من يخبر الحيوان الهائج , لا شأن لنا بما يجري)ولكنه لايستمع ويبقى الصراع مستمر ونبقى الضحية التي لادخل لها في تسير الإحداث سوى أنها حطب لمواقد القتلة ,في القصة إشارات ودلالات واضحة على البحث عن روح التغير والسخط على من يعمل على استخدام الإنسان كأداة لجريمته وإرضاء لشبقه وجنونه ..ليعلو الصراخ وتعلو الحناجر برفض الواقع الكريه كما الخنزير ....ولكن ربما هي لحظة يأس يشعر بها القاص والقارئ (لكنه حيوان أبكم ... لايعي ما نقول),للقاص أسلوبه المميز في استدراج القارئ للمواطن التي يريد إن يتحدث عنها ويجعل التشويق ميزة من ميزات أسلوبه الجميل ...شكرا للأستاذ صالح جبار محمد على هذه المساحة الجميلة من الإبداع
.