حسين جلعاد
aljazeera
سيكتب التاريخ أن مقتل قادة خلية الأزمة في سوريا هو يوم ترنح فيه نظام الأسد، وربما يكون من المبكر الحكم أن مقتل قادة أركان النظام السوري سيسقطه قريبا أم لا، لكن من المؤكد أن ما جرى سابقة لم تحدث طيلة عمر النظام الشمولي الذي أنشأه الأب حافظ وأسلمه إلى الوريث بكافة أركان القوة والتسلط.
استمات نظام الأسد في الدفاع عن الحكم مفضلا الحل الأمني، وقال الرئيس بشار الأسد إنه يخوض حربا حقيقية ويحمي بلاده من مؤامرة حيكت ضد نظام "الممانعة". وأصر على أن يخوض حربه حتى النهاية، فرغم "الضربة القاصمة" التي تلقاها اليوم في دمشق، فإنه سارع في تعيين وزير دفاع جديد يخلف وزيره القتيل.
وبينما أكد الجيش السوري النظامي أن تفجير دمشق الذي قتل وزير الدفاع داود راجحة ونائبه آصف شوكت ورئيس خلية الأزمة في سوريا حسن تركماني يزيد إصراره على مكافحة "الإرهاب"، فقد تكفلت أجهزة الإعلام الرسمية بخوض المعركة الإعلامية والتجييش. أما أعداء الأسد فقالوا إن من قتلوا اليوم هم العقل المدبر في نظام الرئيس الوريث.
تطهير الوطن
فقد جاء في بيان صادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة السورية بثه التلفزيون الرسمي أن "رجال القوات المسلحة لن يزيدهم هذا العمل الإرهابي الجبان إلا إصرارا على تطهير الوطن من فلول العصابات الإرهابية".
أما وزير الإعلام السوري عمران الزعبي فاعتبر أن ما حدث اليوم هو "الفصل الأخير من المؤامرة الأميركية الغربية الإسرائيلية ضد سوريا"، وأكد أن "معنويات شعبنا وجيشنا في أعلى درجاتها".
وحمّل الزعبي مسؤولية هذه "الجريمة الإرهابية" لكل الدول التي أرسلت "المال والسلاح الى سوريا"، متهما إياها كذلك "بسفك كل نقطة دم أهدرت على الأرض السورية".
ضربة قاصمة
في المقابل فإن معارضي الأسد بدوا أكثر تصميما اليوم على مواصلة ثورتهم ضد النظام، فبعد أن أعلن الجيش السوري الحر مسؤوليته عن تفجير مبنى الأمن القومي الذي قتل فيه مساعدو الأسد، قال قائد الجيش الحر العقيد رياض الأسعد إن الثوار وجهوا "ضربة قاصمة للنظام".
وفي رده على تساؤل عن المدى الزمني الذي يتوقع أن يتمكن الجيش الحر خلاله من فرض سيطرته على العاصمة والقصر الجمهوري، بما يعني إسقاط نظام الأسد، أجاب الأسعد أن "العمليات تجري الآن بكل أنحاء دمشق بلا استثناء وعملية اليوم وقعت على مقربة من القصر الجمهوري"، وتابع "نحن لا نستطيع تحديد زمن ولكننا نأمل أن يسقط النظام في فترة قريبة جدا".
وقلل الأسعد من المخاوف من أن تقابل عملية اليوم برد فعل انتقامي عنيف من جانب النظام، وقال "نعم ، نتوقع أن يحاول، ولكننا لا نخشى من ذلك، فمن كان يدير ويحمي النظام تم التخلص منه وبالتالي أصبح النظام عاجزا حتى عن حماية نفسه".
تداعيات مباشرة
أما التداعيات المباشرة فقد ذهبت في اتجاهات مختلفة، فمن جهة قال الناشطون إن حالة من الجنون أصابت القوات النظامية فصبت جام غضبها على أحياء في العاصمة دمشق، وفي المقابل ظهرت تصدعات في الجيش النظامي سواء في انسحابات من حواجز أمنية أو إعلان الانشقاق.
وقد أعلن عن قصف بالمروحيات على حي الزاهرة واقتحام حي الشاغور في دمشق. وتحدث الناشطون عن فرار أكثر من مائة عسكري من الجيش النظامي من حواجز مختلفة في حمص. كما قال ناشطو العاصمة إن عناصر الجيش النظامي فروا من الأحياء الثائرة لكن الجيش باشر قصفا عنيفا عن بُعد.
وقال سوريون في اتصالات هاتفية إن القوات الحكومية تخشى دخول بعض مناطق المعارضين وتستخدم المدفعية والمروحيات لقصف مواقع المعارضة. كما اندلعت مواجهات بين قوات الجيش النظامي والجيش الحر في حي الحجر الأسود بالعاصمة، وأعلن عن انشقاق نائب عمليات المنطقة الجنوبية بدمشق العميد الركن زكي لولة إضافة إلى انشقاقات أخرى. وفي موازاة ذلك دعا الناشطون إلى الخروج في مظاهرات تؤكد خيار الثوار في مواصلة رفضهم نظام الأسد.
توالي الانشقاقات
على المستوى السياسي قال عضو المكتب السياسي للإخوان المسلمين السوريين باسل حفار للجزيرة نت إن الانشقاقات في صفوف الجيش النظامي السوري بلغت أعلى مستوياتها اليوم منذ بداية الثورة السورية، وذلك "بعد الإعلان عن مقتل أزلام النظام أعضاء خلية الأزمة"، وأضاف "تلقينا اليوم عددا من الاتصالات بخصوص ضباط وعسكريين يريدون ترتيب انشقاقهم والخروج إلى المخيمات يفوق أي يوم آخر".
وفي تعليقه على تصريح وزير الإعلام السوري، قال حفار "هناك انشقاقات كبيرة جدا وانسحابات لجنود النظام من المواقع العسكرية في إدلب وحلب ودمشق والجزيرة"، لافتا إلى أن "كتائب الجيش الحر تسيطر على قطاعات بأكملها ومؤسسات النظام تنهار بشكل سريع والمسؤولين السوريين يتسابقون في الانسحاب من هذه المؤسسات، والأنباء تتوالى عن هروب كبير لعوائل المسؤولين في النظام إلى دول مجاورة".
صفقة روسيا
أما على الصعيد الدولي فقد أثر حادث اليوم في سير الأحداث المتوقعة، حيث أجل مجلس الأمن الدولي التصويت على مشروع قرار ضد سوريا كان يقسم الأعضاء الدائمين، وتباينت ردود الفعل على مقتل أركان الخلية السورية، ففاجأ وزير الخارجية الروسية العالم بالتصريح مبكرا أن "معركة حاسمة" تجري في دمشق، وانتقد بشكل لاذع الدول التي تدعم الثوار.
وبينما شددت بريطانيا وفرنسا على أن هجوم دمشق له دلالة كبرى ويؤكد الحاجة إلى حل سياسي، فقد وصفت واشنطن الوضع في سوريا بأنه يخرج عن السيطرة، وقال وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا إن المجتمع الدولي بحاجة إلى "ممارسة أقصى درجات الضغط على الأسد كي يفعل الصواب ويتنحى ويسمح بانتقال سلمي" للسلطة.
لكن الكلام الدبلوماسي قد لا يخفي تماما قلقا آخر، فقد كشف الناشط السوري المعارض بسام جعارة أن وحدات أميركية خاصة موجودة في الأردن مكلفة السيطرة على الأسلحة الكيماوية الموجودة في ترسانة الأسد إذا تدهورت الأوضاع على الأرض.
أما الناشط المعارض منذر باخوس فرجح تزايد الانشقاقات داخليا، وقال إن أحد المسؤولين الروس أخبره أن القيادة الروسية تدرك أن الأسد مستبد وقمعي، مرجحا أن موسكو تنتظر صفقة كبيرة تعقد على المستوى الدولي بما يخص مصالحها سواء في الشرق الأوسط أو آسيا الوسطى. وقال باخوس إن هناك مخاوف عميقة في موسكو من انتشار "إرهاب" قادم من "الجنوب الإرهابي" في إشارة إلى دول آسيا الوسطى الإسلامية.
ومن جهته، يقول باتريك سيل الذي كتب سيرة لحافظ الأسد "اهتز ثبات (بشار) الأسد ونظامه كثيرا"، ورغم أنه شكك في سقوطه قريبا، إلا أنه استدرك "لا يمكن لنظام البقاء للأبد، لا يمكنني أن أرى تسوية سلمية في الوقت الحالي، أرى جمودا داميا والمزيد من إطلاق النار والمزيد من القتل. تزداد عمليات الخطف والقتل وأخذ الرهائن والتطهير العرقي". وأضاف أن أجهزة الأمن التابعة للأسد لن تتخلى عنه إلا إذا شعرت أنه سيكون لها دور من بعده، مشيرا إلى إمكانية أن ينقلب عليه من يمسكون مفاصل الأمن.
يغرق ببطء
ومن جهته يرى دبلوماسي غربي كبير في حديث لوكالة رويترز أن"النظام السوري يغرق ببطء"، ويقول "لا أعرف الجدول الزمني، لكن أصبح من الصعب على الدولة السيطرة على البلاد. الأمر أشبه بعربة إطفاء تذهب لإخماد حريق فتجد حريقا في مكان آخر"، وأضاف "الجيش منهك والحكومة تحت العقوبات وهناك تآكل للسلطة".
أما أيمن عبد النور الذي عمل مستشارا لبشار الأسد حتى عام 2007 وأصبح الآن من الشخصيات المعارضة فإنه يعتقد أنه حتى الأشخاص الذين يحبون الأسد يشعرون الآن أنه لم يعد بمقدوره توفير الأمن وأنه عديم الفائدة ومنفصل عن الواقع، وأضاف أن الأسد "يرى نفسه نبيا مرسلا من الله لحكم سوريا وأنه يستمع إلى متسلقين حوله يقولون له إنه هدية من السماء"، وقال إن "الأسد مقتنع بأنه على حق وبأن من يعارضه خائن".
وفي الداخل الأكثر اشتعالا، يقول سكان سوريون إن الإشارة الوحيدة على وجود الحكومة في المدن التي تقع على حدود العاصمة ومشارف دمشق هي الدبابات وناقلات الجند المدرعة التي تتمركز على الطرق الرئيسية، ولم يعد هناك أي وجود لشرطة المرور أو غيرها من الشرطة.
ولم يصدق السكان أنفسهم حين رأوا المعارضين يقفون في نقاط التفتيش ويغلقون شوارع ويشتبكون مع القوات الحكومية في دمشق. وقال أحد السكان عبر الهاتف في حديث لرويترز "قبل أيام قليلة كنا نقول إنه أمر مستحيل، هذا مؤشر خطير". وقال مواطن سوري "تغير السؤال الذي يطرحه سكان دمشق، لا يسألون إن كان النظام سيسقط بل يسألون متى سيسقط".