الجزائر ـ صابر بليدي
شكلت التصريحات الأخيرة التي أطلقها الرجل الأول في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، والوزير الأول احمد أويحي، حول هيمنة الفساد المالي والسياسي على دواليب الدولة الجزائرية، منعرجا خطيرا في المسار السياسي للجزائر، كونها جاءت في منعطف حساس تمر به البلاد.
فمن جهة لم تخرج الجزائر بعد من سلسلة اصلاحات يبقى مشكوك فيها، ومن جهة أخرى تنتظرها استحقاقات هامة في المستقبل القريب.
وكان يمكن استساغة تلك التصريحات لو انحصرت في سياق سجال سياسي مع أهم خصومه في الساحة، ويشار هنا الى جبهة التحرير الوطني التي اكتسحت البرلمان بأغلبيىة ساحقة في التشريعيات الأخيرة.
لكن أن تأتي على لسان الوزير الأول الذي قضى حوالي 16 سنة في السلطة، فان الأمر سيكون في غاية الخطورة، بما أنه يوحي الى فشل شامل للحكومة في ادارة شؤون البلاد، ويمس مباشرة سمعة الدولة لدى الرأي العام الدولي، خاصة في المجال الاقتصادي، لأنها تنم عن رسائل تنفير للرأسمال الأجنبي، وللاتفاقيات الجماعية والثنائية.
قد يكون أويحي الذي يقضي أيامه الأخيرة في قصر الدكتور سعدان، وباعتبار حتمية التجديد وضرورة ضخ دم جديد في الجهاز التنفيذي صارت تحصيل حاصل بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، أراد إعلان الطلاق مع شريكيه في التحالف السياسي المؤيد لبوتفليقة، لكن الرأي العام أصبح أمام تعاظم التساؤل عن قدرة الرجل على ترك السلطة، وهو القائل في أكثر من مناسبة أنه خادم الدولة ولن يكون في أي وقت من الأوقات في صفوف المعارضة، اللهم اذا كان الأمر مجرد "استراحة محارب" يلتقط خلالها أنفاسه قبل الاستعداد لرئاسيات 2014.
ورغم ذلك، فإن تصريحاته اعتبرت بمثابة اسفين يدق في مرحلة بوتفليقة، واعتراف على أن الدواليب لم تدار بالشكل الذي كان يريده، أو انه غير مسؤول عن تراكمات المرحلة بما أن مركز الصلاحيات كانت في قصر المرادية وليس في مكتبه بقصر الدكتور سعدان، وهي اشارة واضحة إلى غياب الحرارة في الخط الذي يربط القصرين، سيما وان عارفين بتفاصيل المسألة يقولون إن الرجلين لا يلتقيان الا في مجالس الوزراء التي تعقد دوريا وبدون انتظام، وما عدا ذلك فكل شيء معطل.
ويرى مراقبون أن أويحي لم يكن راض عن الكثير من الخيارات بما فيها التدخلات الاجتماعية للدولة التي ضخت أموال طائلة من أجل "شراء" السلم الاجتماعي والسياسي، والنأي بالبلاد عن موجة التغيير التي تجتاح العالم العربي.
وكثيرا ما ركز خلال حملته الانتخابية الأخيرة عن معارضته لاعتماد أحزاب اسلامية جديدة، وللصعود الجنوني لسلم الأجور، وهو الأمر الذي استفاد منه المضاربون، بحيث لم يستفيد من تلك الأموال لا المواطن ولا الدولة على حد تعبيره، وحتى أحداث شهر جانفي المنصرم اندلعت بسبب ندرة بعض المواد الغذائية الأساسية، بعد أن أرادت الحكومة القضاء على التعاملات التجارية التي تتم بالسيولة، أي "الشكارة" كما يصطلح عليه في الجزائر، بدل السندات والصكوك المصرفية.
لكن مهما يكن يدور في خلد أحمد أويحي وفي أجندته السياسية، فإن تصريحاته اعتبرت اعترافا صريحا بفشل السلطة في ادارة شؤون البلاد خاصة في الجوانب الاقتصادية والسياسية.
وهي اشارة واضحة لضياع فرصة لن تعوض للنهوض بالبلاد، فمليارات الدينارات التي ضختها انابيب النفط لم تستثمر في تحقيق نمو حقيقي وخلق مناصب شغل وثروة طبيعية للبلاد مما يهدد مستقبل الأجيال القادمة، سيما في ظل التحذيرات التي اطلقها خبراء اقتصاديون من اختلال كبير في ادارة شؤون الاقتصاد الجزائري القائم على الريع البترولي والتبعية شبه المطلقة في الاستهلاك للخارج.
وعليه فإن الزواج غير المعلن بين المافيا السياسية والمالية، وهيمنته على مفاصل الدولة، لم يكن ليتحقق الا في حالتين لا ثالث لهما: الأولى فشل الحكومة، والثانية حالة تواطؤ من طرف بعض الدوائر النافذة.
وفي كلا الحالتين، فإن المسؤولية تلقى على عاتق أويحيى بعد بوتفليقة، وقبل توجيه الرأي العام للمافيا يستوجب توجيهه أولا للرجلين لتقديم الحساب عن الفشل التي انتهت اليه 16 سنة من التسيير، وعن التأخر في كشف الحقيقة للشعب الجزائري قبل العودة الى مربع الصفر.