أمقران لحسن
في أول سابقة من نوعها تحسب لصالح حزب العدالة و التنمية في مسعاه للوفاء بالعهود التي قطعها على نفسه لإعادة الثقة بين الحاكم و المحكوم،كشفت وزارة التجهيز و النقل في لائحة اسمية على المحظوظين المستفيدين من رخص النقل الطرقي.
العملية ذات أهمية رمزية بالخصوص ما لم تقرر المصالح الخاصة مساءلة الواردة أسماؤهم عن الجهات التي "أكرمتهم" و سحب هذه الرخص خاصة من كبار القوم الذين تتجاوز رساميلهم ميزانيات جماعات بأكملها.إذا ما تدارسنا اللائحة المنشورة ،نجد أن كبار الرياضيين و الفنانين و السياسيين و العسكريين شملهم جود و سخاء جهات مجهولة في الغالب،و زاد من ضبابية الوضع و حساسيته غياب مساطير قانونية لمنح و سحب مثل هذه الإكراميات.
قد يكون الأمر مقبولا و معقولا لو أن الرخص منحت للمعطلين و المعاقين و المتسولين و غيرهم من الذين يكلفون المجتمع المغربي و العاجزين عن الاندماج فيه،أن نمنحهم رخصا بطريقة علانية و شفافة و في إطار تكافؤ الفرص بين المحتاجين، مع ربط ذلك بدفتر تحملات يضمن للدولة حقوقها و يخفف عنها أعباء التعامل مع هذه الفئات و التي تتراوح بين المواجهة و المهادنة و التجاهل.لكن أن تمنح الامتيازات لأناس يمتلكون أرصدة خيالية لدى عامة الشعب المغربي و في غياب أي مبرر منطقي إلا نادرا.فهذه صورة قاتمة نرسمها لمجتمع نريد منه و له أن يستقيم و يحترم أفراده.
إن مسألة محاربة اقتصاد الريع تعد العمود الفقري لمحاربة الفساد الذي يعتبر شعار الربيع الديمقراطي بامتياز،و هو ما يجعل حكومة ما بعد الدستور الجديد مدعوة الى الإصرار و المثابرة بل و المجابهة.إن الخوض حي حقل ملغوم كهذا يتطلب شجاعة سياسية و تضافرا لجهود ألوان الطيف الحكومي حتى يتم الصمود أمام ضغوطات اللوبيات التي تستبيح خيرات هذا البلد بغير وجه حق.إن اقتصاد الريع في المغرب لا ينحصر في رخص النقل الطرقي بل إن ما خفي أعظم،فلا يجب تناسي قطاعات أخرى أشنع و أبشع يأتي على رأسها تفويت الأراضي الفلاحية و رخص الصيد في أعالي البحار الى جانب مقالع الحجارة و الرمال التي ترتقي بأشخاص الى رأس قائمة أغنياء المغرب.كلها قطاعات يستشري فيها الفساد و يظل التعامل معها و سبر أغوارها ضرورة حتمية لأجل بناء الثقة بين المغاربة.لقد آن الأوان أن نتصالح مع ذواتنا أولا و مع مواطنينا و نلعب "على المكشوف" إن نحن أردنا فعلا أن نجعل من هذا العملاق المخيف مجرد جبل جليدي ينصهر أمام أعيننا بكل هدوء.
ننتظر اليوم الذي يتقدم فيه أحد المكرمين غير المحتاجين و يعلن بكل شجاعة ووطنية تخليه عن إكراميته،إن الوطنية الحقة تجعل هؤلاء ملزمين بتدارك الوضع و التخلي عن هكذا امتيازات و التي يغتني بها المحظوظون على حساب كرامة أناس محتاجين و عرقهم. يجب أن نعلم أن من قاوم المستعمر إنما فعل ذلك على وجه الوجوب الأخلاقي،و من كان رياضيا أو فنانا متألقا أو عسكريا مقداما أو رجل دين تقيا فان خدماته مؤدى عنها،وما هي إلا واجب تجاه هذا المجتمع الذي يأويه.لنقل و بكل صراحة أن الانتماءات أيا كان نوعها و طبيعتها عملة لا تتجاوز أرض مغربنا الحبيب،و الشعب المغربي مدعو أكثر من أي وقت مضى الى القطع مع هذه السلوكات البدائية التي تسيء الى سمعة بلدنا.نعود و نؤكد على تنويهنا بخطوة فريدة من نوعها خطاها حزب المصباح و إن كنا ننتظر من الأطراف الحكومية الأخرى أن تحذو حذوه و تساهم في صنع التغيير.