ابراهيم صبري*
الكثير من المغاربة والأجانب يحتارون في الموقف الجزائري من قضية الصحراء الغربية.. وما يزيد من تعقيد الأمر أمام الذين يحاولون فهم هذا الموقف هو ذلك الاصرار الجزائري الدائم والثابث الذي لم يتبدل مع تبدل الظروف والاحداث والاشخاص سواء في منطقة المغرب العربي او في العالم ككل.. بحيث بقي الموقف الجزائري الداعم لجبهة البوليساريو الانفصالية أمرا محيرا وغامضا مما يستدعي من الملاحظين طرح سؤال مهم حول حقيقة وكنه اللعبة الجزائرية في قضية الصحراء الغربية.
الجواب على هذا السؤال يستدعي منا التمتع بكثير من الخيال بل وكثير من الحدس الذي لا يخطئ لفهم اغوار السياسة الجزائرية تجاه جارها الغربي المملكة المغربية .. وإن تشدقت بافكار من قبيل مساندة الشعوب في تقرير مصيرها، لتبرير دعمها المستمر لجبهة البوليساريو الانفصالية، فإن رفضها رفضا باتا لابناء منطقة القبائل بشمال الجزائر ان يقرروا مصيرهم بأنفسهم لخير دليل على ان فكرة مساندة الشعوب في تقرير مصيرها إنما هي مجرد شعار خلاب تركب عليه الجزائر لتغليط المجتمع الدولي حول اغراضها ونواياها الحقيقية.
الدليل الأكبر لفهم اللعبة الجزائرية في قضية الصحراء الغربية هو أن مسالة الحكم الذاتي الذي نادى به المغرب مرارا وتكرارا، كحل لقضية الصحراء الغربية، ستنتفع منها الجزائر أكثر من المغرب، لأن الجزائر تضم في تركيبتها اربع دول مجتمعة في دولة واحدة.. القبائل في الشمال، و الطوارق في الجنوب، والأقاليم المغربية المغتصبة في الغرب، ومنطقة الوسط.. فما سيكون حلا للصحراء الغربية سيكون في نفس الوقت الحل المناسب لعدم تقسيم الجزائر مستقبلا الى دويلات.. وبمعنى آخر فالجزائر في حقيقة الأمر لا يهمها ابدا استقلال الصحراء الغربية او انظمامها إلى المغرب بأي شكل من الاشكال..-فالامران سيان عندها- بقدر ما يهمها إضاعة الوقت للمغرب عبر شغله بعدة قضايا ملحة.. استنزافا لديبلوماسيته الفتية، ولأفكاره الوطنية والتاريخية، ولموارده الاقتصادية المحدودة مقارنة مع مواردها الضخمة من عائدات البترول والغاز الطبيعي.
قامت الجزائر بإشغال المغرب بخطر انفصال الصحراء عنه لمدة فاقت 35 سنة بدون ملل.. وتحالفت مع إسبانيا التي تطبق نفس السياسة الجزائرية تجاه المغرب، سواء بالنسبة لقضية الصحراء أو قضية سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، وقد تفتقت عبقرية المخططين للسياسة الجزائرية فزادت مؤخرا مشكل خطر الإرهاب القادم من الصحراء -عبر رعايتها المقنعة لما يسمى بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي- وجعلت منه بعبعا تهدد به كل من لا يسايرها في منظورها لقضية الصحراء الغربية.. فلماذا كل هذا الغموض؟ لاضاعة الوقت امام المغرب. لمَ؟ حتى تنسى الذاكرة المغربية، المنهكة بقضية الصحراء الغربية، استرجاع أراضينا الشرقية المغتصبة والتي ضمتها فرنسا الى الجزائر قبيل استقلال هذه الأخيرة.
وفي هذا المضمار يمكننا اعتبار الجزائر كاسبة لهذه الحرب (حرب الوقت) حيث أدارتها بحنكة وثبات.. والآن يمكنكم فهم الغموض الذي يكتنف السياسة الجزائرية تجاه المملكة المغربية.. حيث إن كلمة السر التي يحفظها جميع الرؤساء الجزائريين المتعاقبين على الحكم ليست هي "استقلال الصحراء" بقدر ما هي "إضاعة وقت المغرب لعقود من الزمن".. حتى ينمحي من ذاكرة أبنائه اسم الصحراء الشرقية المغربية، جامعة لمناطق بشار وتديكلت وعين صالح وتوات وتندوف، والتي لازالت تحتلها الدولة الجزائرية رغما عن كون أهلها مغاربة أبا عن جد.
إنها السياسة الجزائرية الغامضة التي يمكن اعتبارها سرا من أسرار هذه الدولة، ولا يسمح بالاطلاع عليه إلا لأقلية قليلة من النخبة الحاكمة، لتقى هذه الاستراتيجية حكرا على بعض رؤساء أجهزة الاستخبارات والجنرالات والرؤساء الذين تناوبوا على حكم الجار الشرقي للمغرب .
*باحث في العلوم السياسية من جامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء