عمر حمداوي
يخلد المغاربة ذكرى عاشوراء في العاشر من محرم من كل سنة باحتفالات ممزوجة بين ما هو إسلامي ويهودي وبين ما هو سني وشيعي أثارت ومازالت تثير فضول الدارسين والباحثين في التراث والأنثروبولوجيا محاولين فك رموز ودلالة طقوسها التي وان اختلفت من منطقة إلى أخرى فإنها تلتقي في نقطة واحدة وهي الحرص على إحياءها كاملة أو جزء منها على الأقل، وإيمانا منا بمكانة هذه المناسبة في نفوس ساكنة واحة فركلة سنحاول من خلال هذه الإطلالة تقريب القراء إلى بعض طقوس عاشوراء لدى المرابطين "يكرامن" بقصر تزكاغين الذين يبدءون في الاستعدادات لهذه المناسبة على غرار باقي المغاربة منذ أول أيام عيد الأضحى وذلك من خلال إعداد ما يسمى "الكورداس" وتجفيفه تحت حرارة الشمس من أجل طبخه مع الكسكس في ليلة العاشر من شهر محرم الحرام الذي ما أن يهل هلاله حتى يعلن السكان عن جملة من التدابير طيلة العشر الأوائل من الشهر تسمى "عوايد الشرفا"(1) والتي تدخل في إطار التعبير عن الحزن – بغير قصد- وتتمثل في الالتزام بعدم الاغتسال والتصبين والكنس وفتح باب الخزين واستخدام الرحى والسفر...كما يحرص السكان على صيام اليوم الثالث من الشهر، وكذا التاسع الذي يسمى "الفضيلة" والعاشر الذي يسمى "الزكا" اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم(2) أما اليوم الموالي للعاشر فيسمى "الربا" أي أن ربح يجنيه التجار منه ما هو إلا ربا يهدد تجارتهم بالكساد مما يجعلهم يقفلون أبواب محلاتهم معلنين تعليق حركة البيع والشراء في ذلك اليوم.
وتعتبر ليلة العاشر من الشهر موعد انطلاق الاحتفالات الشعبية بصفة رسمية في أجواء ذات طابع فرجوي تتجلى في خروج الأطفال في مجموعات تجوب أزقة القصر حيث يطرقون أبواب المنازل طلبا للزكاة مرددين أهازيج بالمناسبة وعلى رأسها الأهزوجة التي مطلعها "حالتي دبلتي"، وتتميز كل مجموعة بوجود ما يسمونه "البغيلة" (تصغير بغلة) وهي طفل يرتدي قناعا وملابس فضفاضة وممزقة في محاولة منه لتشويه صورته إلى أن يظهر في منظر غالبا ما يخيف الأطفال الأصغر منه سنا، توكل له مهمة طرق الأبواب بقوة، وقد يدخل أحيانا إلى أحد المنازل فيسقط عنوة رافضا الوقوف إلى غاية تقديم أهل المنزل للمجموعة ما استطاعوا إليه سبيلا. وعلى نفس المنوال يخرج مجموعة من الرجال طلبا للزكاة معروفون على رؤوس الأصابع إلا أنهم لا يقصدون سوى المنازل التي تقطنها الأسر الميسورة على إيقاعات الطبل والصفائح الحديدية (الطوايس). فيما تخرج مجموعة أخرى تضم الرجال والنساء والأطفال ينطلقون في موكب نحو المسجد وهو يرددون أهازيج وتوسلات بالمناسبة أهمها "وداوينا أ لعزيز ".
وفي ذات الليلة تقوم النساء بتزيين شعورهن وشعور بناتهن من طرف امرأة مختصة تسمى "المشّاطة" ويخضبن أيديهن وأرجلهن بالحناء فرحا بتلك الليلة(3) التي يجتمع فيها جميع أفراد العائلة حول وجبة عشاء بالكسكس والكورداس والبيض والفواكه لمن سمحت له ظروفه بذلك في جو أخوي يسوده الفرح والمتعة ومفاجآت خاصة للأطفال تعدها لهم الجدات أو الأمهات وهي عبارة عن كيس مصنوع من سعف النخيل يسمى "كنوتا" يوضع فيه قليل من الكسكس والكورداس والبيض إذ يتناولون ذلك بعد استيقاظهم مباشرة في صباح اليوم العاشر، الذي تستمر فيه الاحتفالات عبر "مهرجان مائي" تتجسد فقراته بالتراشق بالماء(4) على نطاق واسع بين الشباب والأطفال ذكورا وإناثا في مشهد تحضر فيه الملاحقات والمراوغات والحيل والتمويه والاختباء والتطويق...إذ لا عاصم لشاب أو شابة مهما كان العذر من الماء الذي يعتقد أنه ماء زمزم. ويكون العروسين الجديدين محط أنظار العائلة والجيران والأصدقاء في ذلك اليوم إذ توضع جرة ماء في السطح إلى غاية الصباح ليتم إفراغها على العروس في جو من الزغاريد ودف الدفوف اعتقادا أن ذلك سيجعل السنة التي دخلت فيها العروس بيت الزوجية سنة خير وفضل وبركة ورزق...أما العريس الذي يحاول الهروب تتم ملاحقته وحمله قسرا إلى حوض مائي يسمى "الماجن" تجمع فيه مياه سقي الحقول حيث يتم الإلقاء به هناك.
وبعد مرور يومين على عاشوراء يبدأ السكان خاصة النساء في ما يسمى "الفريضة" وهي اتفاق بين مجموعة من النسوة على قضاء أيام معدودة في دار معينة خالية من السكان تأتي كل واحدة منهن بالمطلوب منها فيما يخص مستلزمات الفريضة من مواد غذائية وأثاث منزلية وأفرشة... حيث يقضين أيامهن هناك في جو يتخلله الفرح والأغاني والرقص.
وهكذا تستمر الاحتفالات ما يقارب الشهر أو شهرا بكامله بهذه المناسبة التي يبقى ما قلناه عنها مجرد محاولة متواضعة لتسليط الضوء على بعض طقوسها كما أسلفنا الذكر، ومدخلا للباحثين والمهتمين بتراثنا الشعبي من أجل تعميق النبش في احتفالات سكان واحة فركلة بمختلف مكوناتهم الأثنوثقافية بهذه المناسبة التي تعتبر جزء لا يتجزأ من موروثنا الثقافي علما أنها بعضها تلاشى والبعض الآخر في طريقه إلى التلاشي مما يستدعي ضرورة التفكير في إطار جاد ومسؤول لتدوين تراث واحة فركلة بصفة عامة المهدد بالضياع والنسيان والذي تحتل فيه العادات والتقاليد وطقوس المناسبات الدينية والاجتماعية حيزا كبيرا.
1 – نسبة لبعض الشرفاء الذين يعلنون الحداد على مقتل الحسين بن علي لمدة ثلاثة أيام أو أكثر وهي عادة شيعية محضة.
2 – هناك مجموعة من الأحاديث التي حث فيها النبي صلى الله عليه وسلم على صيام عاشوراء منها: عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: " قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجّى اللَّه فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه، فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه"
3 – يذهب بعض الباحثين إلى أن المغرب لم يعرف عادة التزيين وتسريح الشعر بالنسبة للنساء إلا بعد سقوط الحكم الشيعي في بلاد المغرب وذلك لقلب أجواء الحزن إلى فرح..
4 – ترجع العديد من الدراسات والأبحاث التي تناولت تراشق المغاربة بالماء في يوم عاشوراء إلى الديانة اليهودية باعتبار اليهود المغاربة هم من يعتقدون منذ قرون أن الماء كان سببا في نجاة نبيهم موسى عليه السلام.