سكينة أصنيب
يعيش الموريتانيون شهر رمضان في أجواء عائلية وروحية تحترم خصوصية هذا الشهر ومكانته، ورغم الارتفاع الكبير في درجات الحرارة هذا العام فقد حافظ الموريتانيون على عاداتهم الاجتماعية والدينية، بصلة الرحم والسفر إلى البوادي لزيارة الأهل وحضور الدروس الدينية، وتقديم المساعدات لذوي القربى والمحتاجين ومشاركة الأهل الإفطار والسحور، وإقامة صلاة التراويح بشكل جماعي في كل بيت.
ويحرص الموريتانيون خلال ساعات صيامهم على ارتياد المساجد والقيام بواجب صلة الرحم، وإعداد الإفطار للفقراء وحضور الدروس الدينية التي تقام في بيوت العلماء والفقهاء، وفي المساء يجتمعون في جلسات عائلية يتخللها السمر الطويل وإقامة الولائم.
ورغبة منهم في قضاء الوقت يتسلى الشباب بلعب الورق والشطرنج التقليدي والتسوق ومشاهدة المسلسلات، وقد أصبحت هذه الممارسات الغريبة على المجتمع الموريتاني تترسخ لدى جيل الشباب وتؤثر في درجة استفادة الصائمين من هذا الشهر.
وسمح تزامن شهر رمضان مع الإجازة الصيفية باجتماع أفراد الأسرة ولم شمل العوائل على موائد الإفطار والسحور بعد عودة المغتربين من الدول الإفريقية والطلبة المبتعثين إلى دول عربية وأوربية، لتمضية شهر رمضان مع أسرهم، إضافة إلى التحاق الموظفين العاملين في القرى والمدن البعيدة بأسرهم.
عادات أصيلةيرتبط شهر رمضان عند الموريتانيين بإعداد الأكلات الشعبية والحلويات والفطائر المغربية، وتحتل العصائر والمشروبات مكانة خاصة على مائدة الإفطار بسبب ارتفاع درجات الحرارة لمعدلات قياسية، وامتداد فترة الصيام لأكثر من 14 ساعة. وتحرص ربات البيوت على إعداد الطبق المعروف عند الموريتانيين بـ"أطاجين''، والذي يتكون من لحم الإبل والبصل لتقديمه بعد صلاة التراويح.
ومن العادات الغريبة التي يتبعها الموريتانيون خلال شهر رمضان حلاقة شعر الرأس للرجال وأيضا الأطفال، تيمناً بقدوم الشهر الكريم، وهي عادة بدأت في الانحسار مؤخراً خاصة بين الشباب، وتقتصر حالياً على سكان الأرياف.
وتشهد الأسواق الموريتانية ازدحاما شديدا هذه الأيام بمناسبة رمضان، حيث امتلأت الأسواق التجارية بالمتسوقين الذين خرجوا لشراء مؤونة الشهر ولوازم المطبخ والأجهزة الكهربائية، وقد ساعدت السيولة النقدية ودفع الرواتب والأجور في تحريك الأسواق وإقبال الزبائن على التبضع، وتبرز خلال رمضان مهن موسمية كثيرة خاصة في الأسواق والأحياء الشعبية، حيث يستغل العاطلون والشباب هذه المناسبة لتوفير دخل إضافي، من خلال العمل كجزارين وبائعي الخضر والفواكه والحلويات.
ويستقطب الحديث عن أسعار المواد الاستهلاكية اهتمام الموريتانيين في شهر رمضان الذي تشهد فيه أسعار بعض هذه المواد الغذائية ارتفاعا كبيرا بسبب مضاربات الوسطاء واحتكار الموردين، وكان الموريتانيون يتوقعون أن تنخفض أسعار المواد الغذائية هذا العام بعد تعديل قانون المالية وتحفيض الرسوم الجمركية على بعض المواد الأساسية كالدقيق والسكر والألبان والخضراوات.
وسجلت أسعار المواد الاستهلاكية ارتفاعا ملحوظا في الأيام الأولى من الشهر الفضيل، مما أثر على القدرة الشرائية للمستهلك، ويحمل تجار التقسيط مسؤولية ارتفاع الأسعار لتجار الجملة، بينما يرى الموردون أن باعة التقسيط يتلاعبون بالأسعار من خلال رفع سعر المادة لتحقيق هامش ربح أكبر.
وتطالب منظمة حماية المستهلك بتفعيل الرقابة الحقيقية للحد من المضاربات والتلاعب بالأسعار، ومراقبة ما يعرض في السوق عن طريق التحقق من الفواتير والكشف عن المواد المنتهية الصلاحية ومراقبة الأسعار المعلقة.
بعثات دعويةفي إطار الأنشطة الرمضانية أرسلت موريتانيا عشرات الأئمة والوعاظ إلى العديد من الدول الإفريقية لبث روح العلم والأخلاق الإسلامية وتمثيل موريتانيا وإبراز صورة الإسلام الوسطي المبني على التآخي والتسامح والتكامل الرافض لكل أشكال الغلو والتطرف.
وتأمل موريتانيا من خلال إرسال هذه البعثات الدعوية إلى استرداد الدور العلمي المتميز الذي كانت تضطلع به في غرب إفريقيا ودعمه من جديد، سعيا لربط الماضي بالحاضر. كما أطلقت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مسابقة كبرى لحفظ وتلاوة القرآن الكريم ودورة تكوينية للأئمة والعلماء.
ومحاولة منها لمساعدة أسر الأيتام والأسر الفقيرة وتخفيف العبء عنها في هذا الشهر الكريم، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة عن تخصيص 19 مليون أوقية لدعم معيلات الأسر الفقيرة.