عبد الرحمن القاسمي
تجدر الاشارة الى أن مجالات امغران الجغرافية تقع باقليم ورزازات، تحدها منطقة قلعة مكونة شرقا وجماعة تلوات غربا وعمالة أزيلال شمالا وجنوبا منطقة سكورة.وتتميز المنطقة بغلبة التضاريس الجبلية مثل جبل اسكاون وجبل تلكديدت وكل هده الجبال تنتمي لسلسلة الأطلس الكبير.وبالمثل تتوفرعلى منطقة سهلية ممتدة من منطقة غسات الى منطقة تندوت،ناهيك عن حضور بعض الهضاب والتلال المتفرقة في ازضل واسغموا ومناطق أخرى.وتامسولت كمنطقة تنتمي الى تندوت احدى كبريات جماعات امغران الثلات.
ان منطقة تامسولت بأعالي جبال الأطلس الكبير،تختزن الكثير من المؤهلات الطبيعية والبشرية والعمرانية،وان لم يقدر لها لحد الساعة توظيفها بالشكل الذي يليق بها.فغني عن البيان أنها تتوفر على عناصر متنوعة للمشهد من بينها على سبيل المثال لا الحصر:جبال ممتدة ومياه جارية على طول الوادي،بالاضافة الى الحقول الصغيرة الحجم .كذلك لعل ما يزين المشهد بتامسولت هي تلك المساكن التقليدية البسيطة والقصبات التي تحيلنا الى زمن نشأتها ودور المراقبة المنوط بها في زمن ليس ببعيد.
والحق يقال أن الجولة الميدانية قيمة مضافة تعزز الجانب النظري للفرد في تصوره وفهمه للقضايا المراد الوقوف عندها،جولة قادتني الى أحد مناجم استخراج الملح المنتشرة في مجالات امغران بكثرة. إن الملح موجود في الطبيعة بمناجمه الخاصة، لكنه يوجد أيضا في اللحوم والأسماك...ويحتاج الإنسان البالغ يوميا الى حوالي عشر غرامات أو أكثر من ملح الطعام وهي كمية قد يفقدها الجسم بالإفرازات العرقية خلال ثلاث ساعات أثناء بذل المجهود الشاق وتحت أشعة الشمس.واذا كانت لهذه المادة أهمية - في وقتنا الراهن- مرتبطة بالطعام،فان أهميتها التاريخية تكمن في ارتباطها بمعدن الذهب. ولا يعني هذا الارتباط وجودهما في مكان واحد أو قربهما،بل انه راجع الى أن الملح كان السلعة التي يتلهف ويقبل عليها السودانيون المنتجون للذهب والذين يدفعونه للحصول على الملح.اذ يجب مقايضة الملح بالذهب (التبر) والذهب بالملح في اطار ما يسمى تاريخيا بالتجارة الصامتة.
وكيفما كان الحال فان عمال منجم الملح بتامسولت يعملون في ظروف جد صعبة وقاسية،فلا راتبهم اليومي يتجاوز الخمسين درهما مقابل العمل الشاق الذي يقومون به طيلة اليوم؛ولا الأدوات المستعملة في استخراج حجر الملح تسهل عليهم المأمورية،ناهيك عن احتياطات السلامة غير المتوفرة لديهم خاصة اذا ماوضعنا في الحسبان الوضعية الخطيرة التي هي عليها تلك المناجم والاهلة للسقوط .
وبالجملة فهذا نزر مما يعانيه عامل منجم تامسولت وغيره من مناجم المنطقة،مقبلون عليه كرها دفاعا عن الحياة في بيئة صعبة.مروحين عن أنفسهم المكدودة بالسواعد الجادة والمرحة حينا،وبالغناء غالبا يستنفرون القدرات الخلاقة الكامنة في جوهر الانسان.
والى جانب معاناة عمال المنجم،فالمرأة بتامسولت تعاني بدورها الأمرين فهي تقوم بجهد مضاعف في حياتها اليومية؛وتشمل دائرة عملها مجالات أوسع مما تشمله دائرة الرجل بل كثيرا من أعماله تصبح جزءا من مهامها أحيانا.ان المرء ليقف اجلالا لعظمة المرأة القروية التي وفقت وبشكل جدي بين ماهو خارج المزل ( العمل في الحقل،التسوق ...) وداخله ( اعداد الطعام ،الاهتمام بالأنعام،تربية الأطفال ...).ومما لاشك فيه أن هناك الكثير من الجوانب الهامة في حياتها الزاخرة،وأسجل حرصها الكبير للحفاظ على الموروث الحضاري في الزي واعداد الطعام وبخاصة الخبز المعروف محليا ب { تانورت }.
على أن أهم شيء يجب التنبيه اليه هو أنني لا أدعي القيام برصد دقيق لمختلف مقومات المنطقة الحضارية والطبيعية،فكل ما أصبوا اليه هو أن أحيل عليها انطلاقا مما توفر من معلومات تعززت بجولة ميدانية للمنطقة؛لكن يبقى الأمل معقودا على الباحثين والمهتمين للقيام بذلك خاصة اذا تذكرنا أن منطقة امغران عرفت في السنوات الأخيرة اكتشاف ما يسمى بمفبرة أقدم الديناصورات وللاكتشاف عدة دلالات.
لقد أشرت في سياق مقال سابق معنون ب " واحة تودغى : مساهمة في دراسة المجتمع الواحي المغربي (1)",الى أن السكن التقليدي / المعمار المبني بالتراب،مشهد مميز لمجتمع الواحة.هذا السكن الذي ارتبط ظهوره بعوامل تاريخية وطبيعية وأخرى ثقافية ( سأفصل فيها في مقال لاحق ان شاء الله )، يفرض نفسه وبقوة في منطقة تامسولت اللهم اذا استثنينا منازل تعد على رؤوس الأصابع شيدت بمواد لاتوفرها البيئة المحلية ( الاسمنت،والحديد...) وهي لأبناء الجالية بالخارج.
,