هاشم فياض يتحدث عن هجرة العمالة من المغرب العربي إلى أوروبا

خالد وليد محمود

تعد مسألة هجرة العمالة من بلدان المغرب العربي إلى غرب أوروبا قضية محورية وذات أهمية كبيرة ومتزايدة، نظرا إلى أنها بدأت منذ تاريخ طويل، ورغم أنها تعد نزفا للأدمغة والطاقات التي تحتاجها بلدانهم الأصليةة، إلا أن موقع الجاليات المغاربية المهاجرة إلى الشمال، نظرا لحجمها الكبير، يتخذ أهمية متزايدة سياسيا وثقافيا واقتصادية واجتماعيا سواء في البلدان المرسلة للعمالة أو في البلدان المستقبلة لها، لذا تأتي هذه الدراسة وعنوانها "هجرة العمالة من المغرب العربي إلى أوروبا: هولندا نموذجا" للمؤلف هاشم نعمة فياض والتي صدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات مؤخراً، لتقدم قراءة تحليلية وموثقة بالبيانات والأرقام للعمالة المغاربية المهاجرة إلى هولندا وتدرس تطورهم عبر الوقت ونمط توزعهم الجغرافي وبنيتهم العمرية والنوعية وتطور مستوى الخصوبة ومعدل الوفيات والبنية العائلية والتعليم والبنية المهنية والاندماج في المجتمع الهولندي والتحويلات.

وهذه الدراسة التي جاءت في "160 صفحة" من القطع الصغير، تسعى إلى فهم العلاقة المتبادلة بين الهجرة والتنمية الاجتماعية – الاقتصادية، وبصورة خاصة بالنسبة إلى بلدان المغرب العربي، وذلك من خلال دراسة تطور هجرة العمالة من بلدان المغرب العربي وأسباب الهجرة وتطور هجرة العمالة إلى هولندا على وجه التحديد حيث تزايد التأثير الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للجاليات العربية المغاربة في ذلك البلد الأوروبي بشكل كبير جدا.

وتوضح الدراسة أشكال وأنماط الهجرة المغاربية والتي أخذت نمطا أوليا سابقا بالارتباط بالدولة المستعمرة، وبسوق العمل في دول أوروبا، ثم بأنماط الهجرة الدائمة المرتبطة بالنظام الاقتصادي العالمي على عكس الهجرة المغاربية إلى دول مجلس التعاون الخليجي والتي تعد من ضمن الهجرات الوافدة المؤقتة مهما طال أمدها.

وتمثل الهجرة المغاربية إلى هولندا جزءا من التيار العام لهجرة العمال المغاربية إلى أوروبا الغربية، لكن تاريخها يعد حديثا جدا بالقياس إلى فرنسا. ولاحظت الدراسة أن الجيل الو لمن المغاربة الذين هاجروا في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين وما أعقب هذه الهجرة من جمع شمل أسرهم أو تكوين أسر جديدة بالزواج في هولندا، استمر الجزء الكبر منه في الإقامة في هولندا؛ وهذا ينطبق على معظم المغاربة في البلدان الأوروبية الأخرى، ولقد كان ذلك الجيل كله تقريبا من الشبان الذكور، وبحسب الدراسة فإنه من المتوقع أن يصل عدد المغاربة في هولندا من الجيلين الأول والثاني بحلول العام 2050 إلى نحو 470 ألف نسمة.

ويتضح من تحليل تطور هجرة العمالة من بلدان المغرب العربي أنها ارتبطن بعامل طبيعة الاستعمار الفرنسي وكانت حصيلة لنتائجه، واستمرت الهجرة بوتيرة متصاعدة نتيجة النمو الاقتصادي الذي شهدته أوروبا الغربية حتى طفرة النفط الأولى في 1974، حين بدأت تطبق الإجراءات التي تحد من دخول المهاجرين نتيجة الركود الاقتصادي، وطرأ تغيير على أعداد المهاجرين لكن العمالة المغاربية بقيت تحتل المرتبة الأولى عدديا في أوروبا، تليها العمالة الجزائرية ثم التونسية. وارتفع عدد المغاربة في هولندا سريعا منذ العام 1971 إلا أنه نتيجة تباطؤ هجرة العمال ثم توقفها تقريبا ارتفعت نسبة الجيل الثاني المولود في أوروبا مقارنة بالجيل الأول، وهذا يعين أن نمو المهاجرين بات يعتمد أساسا على الزيادة الطبيعية وعلى جمع شمل الأسر أو الزواج من المغرب بعدما كان يعتمد أساسا على المهاجرين الجدد.

وينحدر أغلبية مهاجري الجيل الأول إلى هولندا من منطقة الريف في شمال المغرب ويعود مخالفتهم لمسار الهجرة المغربية الطبيعية إلى فرنسا كونهم كانوا خاضعين للاستعمار الإسباني وبالتالي اتخذوا مسارا مغايرا، وتظهر البنية العمري للمغارة حاليا أنه غالبيتهم تحت سن 19 عاما، وهم أعلى بصورة لافتة من الهولنديين وحتى من المهاجرين الأتراك أو العراقيين، إلا أن وسط التحصيل المدرسي لديهم منخفض بالمقارنة مع الهولنديين رغم أنه أعلى بكثير من الجيل الأول من المهاجرين، وتعد العمالة المغربية أكثر خبرة مهنيا بالمقارنة مع المهاجرين القادمين من البلدان العربية الأخرى، نتيجة تاريخ هجرتهم الطويلة نسبيا. وساهمت الهجرة المغاربية في تطوير المجال الحضري نتيجة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على ذويهم وأقاربهم من جراء تحويل الأموال.

ويلاحظ أن الكثير من المغاربة لايزالون يرتبطون بأبناء بلدهم، فبرغم أن وبات الوجود المغربي يساهم في تشكيل واقع المجتمع الهولندي من كل جوانبه، لكن مع ذلك، لا يزال الاندماج ضعيفًا ويبقى قضية إشكالية مطروحة للنقاش، فهناك عوائق عديدة تحول دون سرعة الاندماج، منها تباين الخلفية الدينية والثقافية والحضارية والإرث الاستعماري للدول المستقبلة للمهاجرين.

,