مازال ملف العلاقات بين المغرب والجزائر محكوما بمنطق خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف، تتقاطع فيه دعوات التطبيع مع خطابات التحذير من أي تقارب. وبعد مرور أسابيع قليلة سادت خلالها تحاليل إيجابية عن قرب تسوية مشكلة الحدود، تسلم رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى تقريرا رسميا يحذره من "خطر" فتح الحدود مع المغرب.
يبدو أن الطريق نحو فتح الحدود بين المغرب والجزائر المغلقة منذ 18 سنة سيكون شاقا عكس ما ذهبت إليه كثير من القراءات المتفائلة التي صدرت في البلدين في أعقاب الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني إلى الجزائر والتي تزامنت مع الدعوة التي أطلقها الرئيس التونسي المنصف المرزوقي إلى عقد قمة لتحريك عجلة البناء المغاربي الكبير.
ولعل التقرير الرسمي الذي صدر في الجزائر، بطلب من رئيس الوزراء أحمد أويحيى ووقعه وزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي، حول "خطر" فتح الحدود مع المغرب يحمل الكثير من دواعي الاعتقاد بنهاية المقاربات المتفائلة التي تنبأت بالتسوية القريبة للعلاقات المغربية الجزائرية بدءا بحل مشكلة الحدود المغلقة بين البلدين منذ 1994.
تحذير من فتح الحدود
حذر التقرير الجزائري الرسمي الذي نشرت تفاصيله جريدة الشروق الجزائرية في عددها ليوم الثلاثاء 13 مارس/آذار الجاري، من "خطورة إعادة فتح الحدود البرية مع المغرب المغلقة من جانب الجزائر منذ العام 1994 وذلك بسبب الخسائر الاقتصادية والآثار الاجتماعية والأمنية المتوقعة".
وأحصى التقرير "الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الجزائري بسبب تهريب الوقود عبر حدود تلمسان، تراوحت شهريا ما بين 3.7 و4.2 ملايين دولار نزولا وصعودا، من كانون الثاني/ يناير 2011 إلى كانون الأول/ ديسمبر 2011، وأن قيمة المحجوزات لا تتجاوز 3 % من الحجم الإجمالي المتوقع للوقود المهرب".
وذكرت الصحيفة أن التقرير تسلمه رئيس الحكومة أويحيى ضمن تقارير وإحصائيات أخرى أنجزتها مؤسسات وهيئات حكومية سعت إلى تقييم النتائج الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لفتح الحدود مع المغرب. واستعرضت الصحيفة أرقاما مختلفة تشير إلى أعداد السيارات المحجوزة المستعملة في تهريب مختلف أنواع البضائع والسلع والمخدرات.
وخلص التقرير إلى توصية وجهها إلى الحكومة الجزائرية بعدم التسرع في فتح الحدود مع المغرب دون ضمانات تقدمها الرباط على رأسها الضمانات الأمنية على الحدود ومنع تهريب المخدرات.
وقد أعاد التقرير عرض الشروط والضمانات الأمنية القديمة التي سبق أن أشار إليها الوزير الأول أحمد أويحيى في شهر مايو/أيار الماضي حين تحدث عن ضرورة توفير "مناخ يطبعه حسن النية والثقة المتبادلة بين البلدين الجارين" قبل أي فتح للحدود.
عودة "الرؤية الواقعية" ؟
لا شك أن التقرير الرسمي قد أعلن عن عودة للرؤية الواقعية في مقاربة المشاكل القائمة بين البلدين الجارين مع استحضار العقبات الصعبة التي تقف دون تحقيق آمال الشعبين وشعوب المنطقة.
يقول الدكتور علي كريمي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء أن عودة الحديث عن الآثار السلبية لفتح الحدود هو أمر معتاد، ولا يعتبر سابقة في تاريخ العلاقة بين المغرب والجزائر، إذ أنه كلما ساد خطاب إيجابي بين البلدين حول قرب تسوية المشاكل العالقة بينهما، وكلما تراكمت الإشارات الدولية إلى البلدين بضرورة تسوية الخلافات الثنائية، طلعت التقارير والخطابات المحذرة من أي تقارب ممكن.
ويؤكد كريمي أنه من غير المعقول - في منطق العلاقات الدولية - أن تظل الحدود بين بلدين جارين مغلقة، لأن في ذلك تأثيرا سلبيا على مصالح بلدان وشعوب المنطقة جميعها. لأن "التهريب ومشاكل المخدرات التي يتم التذرع بها للاستمرار في غلق الحدود من جانب واحد لا قيمة لها أمام الخسائر الهامة المترتبة عن غلق الحدود بالنسبة للبلدين معا".
ويشير الدكتور كريمي إلى ما يعتبره مفارقة كبرى تقف دون حدوث الحراك المطلوب في المنطقة، "بين خطاب سياسي إيجابي في الجزائر عن ضرورة التطبيع مع المغرب وبين جهود خفية تحركها المؤسسة العسكرية الجزائرية المستفيدة من وضع الجمود بين البلدين".
فالعسكر الذين يملكون ثقلا مهما في الجزائر،يضيف كريمي، لا يسمحون بحدوث أي حراك ديمقراطي، ينتقل من دول الجوار عبر حدود مفتوحة، لأن مصالح المؤسسة العسكرية هو الاستمرار في كبح السياسي والسيطرة على دولارات البترول بعيدا عن الآمال والانتظارات الاقتصادية والاجتماعية للشعب الجزائري.
بين حسابات المؤسسة العسكرية وأرقام التقارير وإحصائيات الكيلوغرامات المحتجزة من البضائع المهربة من هنا وهناك يرتبك السياسي في البلدين معا في تفعيل مضامين مصالحة تتطلع إليها شعوب المنطقة، بلورت بداياتها الأولى في ربيع عربي هب من تونس ومازال يحث حكومات المغرب الكبير على الاستماع لشعوبها.
France24