قبل الشروع في استنطاق كتاب "القول الشعري واللغة الرمزية" للأديب نور الدين محقق نرى أن أي كلام عن المناهج النقدية هو كلام عن التحولات الجريئة التي حققها المسار النقدي في المغرب، في اتجاه التطور والتجديد، باعتبار أن هذه المناهج النقدية قد تخطت التحولات الكمية التي اهتمت بالأيديولوجية لتعطي كما جديدا يعتني بالممارية النقدية،التي أعطت قفزة نوعية حققتها على مستوى التنظير وعلى مستوى التطبيق،التي أعطت للمناهج النقدية في المغرب هويتها الخاصة.
ويعتبر الأديب نور الدين محقق من بين النقاد المغاربة المعاصرين الذين اشتغلوا على المنجز الأدبي شعرا ونثرا وتشكيلا وصورة...على أسس نقدية منهجية تساعد على معرفة النص الأدبي معرفة دقيقة.
ومن خلال تصفحنا لكتابه"القول الشعري واللغة الرمزية"نلاحظ بأنه لم يركز على منهج معين في دراسته للشعر المغربي الجديد، وإنما اعتمد على مجموعة من المناهج النقدية المعاصرة والقديمة متعاملا معها كآليات لفهم النص وليس لتقويله مالا يريد.
بمعنى أن الناقد لم يتعامل مع هذه المناهج كقوالب نهائية ولم يطبقها بشكل حرفي، وإنما تعامل معها كأدوات منتجة لنصوص نقدية إبداعية على اعتبار أن النقد قراءة على قراءة أو إبداع على إبداع كما يقول رولان بارث.
لقد تعامل نور الدين محقق مع كثير من المناهج حسب ما يتطلبه النص الشعري وليس حسب مزاجية الناقد،حسب ما يتطلبه النص الشعري على المستوى النصي وعلى المستوى الخارجي لأن النص الشعري"داخلا لا فرار له من خارج حاضر فيه"في معرفة النص – يمنى العيد
لقد اهتم الناقد نور الدين محقق في دراسته للمنجز الشعري المغربي الجديد في مراحله المختلفة ابتداء من الستينيات إلى الثمانينيات"وقد توقفنا في عملية هذا التحديد عند مرحلة الثمانينيات..." القول الشعري ص4.
وكان تركيزه في هذه الدراسة منصبا على البنيتين البنية الفنية و البنية الخارجية المرجعية،في ضوء أيديولوجية واحدة وانطلاقا من رؤية شمولية ترى توحد هذه المناهج ولا تفرق بينها أثناء الدراسة النقدية.
بمعنى أنه لا يتعامل مع النصوص الشعرية بمنهج ثم ينتقل إلى منهج آخر، بل على العكس من ذلك إنه يتعامل مع هذه النصوص في إطار قالب واحد لا يفصل بين البنيتين الداخلية والخارجية.
لقد درس الخارج في حضوره داخل البنية الفنية،أي أنه عندما يدرس الداخل يهتم في نفس الوقت بخارج النص،حتى لا يقع في عملية الإسقاط التي تتم من خارج النص الشعري،إن النص الشعري ليس "داخلا معزولا عن خارج هو مرجعه،الخارج هو حضور في النص ينهض به عالما مستقلا،وعليه فإن النظر في العلاقات الداخلية في النص ليس مرحلة أولى تليها مرحلة ثانية يتم فيها الربط بين هذه العلاقات بعد كشفها وبين ما اسمه الخارج في النص"في معرفة النص – يمنى العيد.
لأنه في اعتقاده هناك علاقة جدلية دائما بين البنية الداخلية و البنية الخارجية،لأن الشاعر عندما ينظم نصا شعريا لا يفصل بين الشكل و المضمون،وكذلك يفعل الناقد نور الدين محقق عندما يدرس النص الشعري يتتبع أنفاس الشاعر ويتتبع حركية النص وديناميته على مستوى الشكل وعلى مستوى المضمون لأننا"منذ بدايته في معانقة الكلمات الشعرية،نجد عنده اهتماما قويا بما ورائية الأشياء" القول الشعري ص32.
فالنص عنده هو القول الشعري كما جاء في عنوان الكتاب،يتحرك في إطار اجتماعي وبقالب شعري مميز،يميز شاعرا عن آخر،وهكذا لا يمكن الفصل بين شكل النص و مضمونه في عملية نظم الشعر،كما لا يمكن الفصل بين الإبرة و الخيط في عملية الخياطة.
وبالاضافة إلى ذلك فإن الدراسات النقدية عند الناقد نور الدين محقق تنطلق من اللغة باعتبارها الجسر الذي يؤدي إلى المرجع وتساعده على كشفه،وهو بذلك لا يهتم باللغة في حالتها السكونية،بل يهتم بها في حركيتها وتاريخيتها وذلك انطلاقا من مفهومها الباختيني الذي ينظر إلى اللغة في غيبة عن معناها المعجمي القاموسي.
إنه ينظر إلى اللغة في انفجارها وإعطائها دلالات متعددة،لأنها ذات منطلقات اجتماعية لأنها تتم بين الأفراد،فكل شاعر يوجه خطابه الشعري إلى المتلقين حسب توجهاته الأيديولوجية ورؤاه إلى العالم.
وبالرغم من دراسة نور الدين محقق للشعر المغربي الجديد في مرحلة الستينيات والسبعينيات و الثمانينيات فإن هذه الدراسة لم تكن مرحلية،وإنما كانت تشتغل على تيمات برزت في هذه المراحل الثلاث،لأن كثيرا من الشعراء لم يتوقفوا على مرحلة واحدة فقط بل استمروا عبر كل هذه المراحل،لكن الذي تغير عندهم هو التيمات التي اشتغلوا عليها،وتركت بصمة في تاريخ الشعر المغربي الذي نعته بالجديد.
كما أنه تتبع فترات مختلفة من فترات تحديث وحداثة الشعر المغربي"التحديث – التجديد – التجريب- الفرادة- الاستشراف..." وهذه كلها مصطلحات تعبر عن حركية الشعر المغربي في هذه المرحلة التاريخية التي تميزت بالدينامية والحركية بسبب ما عرفه المغرب من تغيرات في الرؤية و في الأيديولوجية.
لأن هذه المرحلة عرف فيها المغرب نقلة نوعية في الفكر وفي تلقي منتجات الآخر الأيديولوجية ومحاولة اجترارها و الإجابة على كثير من الأسئلة التي كانت مطروحة أنداك واحتاجت إلى إجابات عبر عنها الشاعر شعرا وتتبعها الناقد من أجل معرفة مدى ملاءمة هذا المنتج لأفق انتظار المتلقي المغربي.
محمد يوب