"دوافعي لكتابة هذا المقال ومقال آخر حول الحمدين القطريين بن خليفة وبن جاسم آل ثاني هو هذا الدور المشبوه الذى لعبته إمارة قطر الخليجية ولم تزل تلعبه عبر فضائية "الجزيرة" والبترو – دولار فى ما سُمي زوراً وبهتاناً "ثورة الربيع العربي" والذي كشر عن انيابه بشكل سافر في الانتخابات المصرية الأخيرة، بل وفى كل "الثورة" منذ هبوب عواصفها الأميركية – الصهيونية على الوطن العربي في مطلع العام الماضي، وكذلك الدور الخطير الذى لعبه ولم يزل يلعبه رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني والمؤسسات القطرية الدينية والسياسية فى تمويل الجمعيات والتيارات الأصولية والمنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني فى العديد من الأقطار العربية التي طالتها "الثورة"، إضافة إلى دور قطر التحريضي المشبوه والخطير فى تنفيذ المخطط الأميركي – الصهيوني الذى كتبه وأعده مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفرى فيلتمان بإيعاز من بقايا المحافظين الجدد المتصهينين في واشنطن لفرض حصار وعقوبات عربية على سوريا، بعد أن فشل مجلس الأمن فى فرضها بسبب الفيتو الروسى والصينى."
بقلم : محمود كعوش____________
في كتابه "موقع قطر في الاستراتيجية الأميركية" الذي صدر في الأول من يناير/كانون الثاني عام 1997 رأى الكاتب مروان اسكندر بأن عمق تاثير سياسات إمارة قطر موجه بشكل واضح وصريح ضد المصالح العربية التي أصيبت بأضرار فادحة جراء الانقلاب السياسي في السلطة القطرية الذي قاده الإبن حمد بن خليفة آل ثاني ضد الأب خليفة بن حمد آل ثاني في السابع والعشرين من يوليو/تموز 1995.
ولأن قطر تُفضل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية على البلدان العربية وتغلب مصالحهما على المصالح الإستراتيجية العربية فقد قدمت العديد من الأمثلة والبراهين على مهارتها في الإضرار ببعض البلدان العربية وإيذائها من خلال التآمر عليها وزعزعة الاستقرار فيها. وقد دللت تطورات الأحداث على أن قطر استفادت من ما سُمي زوراً وبهتاناً "الربيع العربي" لتسخر الجامعة العربية لخدمة أغراضها وتطلعاتها السياسية من خلال جعلها ساحة جديدة لصراع عربي - عربي لا يستفيد منه إلا الكيان الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية طبعاً، وفي خطوة ثانية لتفككها وتلغيها وتستعيض عنها بإطار جديد، ربما سيكون إطار "الشرق الأوسط الكبير" الذي طرحه الإرهابي الصهيوني شيمون بيريز في عام 1993 في كتابه الذي حمل ذات الإسم وتبناه الرئيس الأميركي السابق ألأرعن جورج بوش الإبن في عام 1995 أو أي شرق اوسط جديد يتزعمه الكيان الصهيوني.
فهذه القاهرة حيث مقر الجامعة تُستباح أرضها هذه الأيام بفعل الغل القطري الذي ما برح يتسبب بالأذى والإضرار ضد البلدان العربية التي جاهر حكامها بالتعاطف مع الشيخ خليفه بن حمد آل ثاني أمير قطر الشرعي الذي كان قد زار في عام 1996 دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وسوريا. وكان منتظراً أن يكون نصيب سوريا من الغل القطري أكثر من غيرها من البلدان العربية لأن الشيخ خليفة كان قد عومل فيها كحاكم شرعي لبلده، حيث قام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد باستقباله في المطار وأصدر في ختام زيارته بيانا اتهم فيه الإبن حمد بن خليفة بالعمل على شق الصف العربي وانتهاك المبادئ الأساسية للتعامل الأخوي الصادق ما بين الدول العربية، وفق ما جاء في كتاب اسكندر.
وعلى خلفية هذا الغل جاءت مداولات وزراء الخارجية العرب طوال شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول من العام المنصرم لتسجل انتهاكات فاضحة لمبادئ الجامعة العربية بفعل القرارت الإرتجالية واللاشرعية التي قضت بتعليق عضوية سوريا في هذه الجامعة وقضت بتطبيق عقوبات إقتصادية بحقها، وبفعل ما سبق وتلا ذلك من إنذارات وتهديدات متتالية وجهتها الجامعة الهزيلة على لسان رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني توطئة لتدويل الوضع الدموي الذي تفجر في بعض الأراضي السورية قبل بضعة شهور.
ومما لا شك فيه أن سلوك رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم كرئيس لتلك الجلسات وكمحرض للعدوان على سوريا كان ترجمان السوء لتلك السياسة التي وضعته في إطار بعيد عن الأصول الدبلوماسيىة وأدب التخاطب واللباقة في التعامل مع الآخرين، إذ كشف عن وجه معادٍ وحاقد لا يحترم قواعد الصراع ولا يتقن فن المناورة كمقارعٍ نزيه. وقد أفسح وجود أمين عام جديد للجامعة العربية منبثقٌ من قلب ما سُمي "الربيع العربي" هو "نبيل العربي" المجال على مصراعيه لصبيانية قطر وعبثها بالجامعة إلى درجة مكنت حمد بن جاسم آل ثاني من تحويلها إلى متراس يطلق النار من خلفه ضد سورياً أمام الراي العام العربي والعالمي وبحضور وسائل الإعلام على مختلف أنواعها وأهوائها، بدلا من إطلاقها باتجاه الكيان الصهيوني الذي يفترض أن يكون العدو رقم واحد للوطن العربي من المحيط إلى الخليج بما في ذلك إمارة قطر "العظمى"!!
ومما لا شك فيه أيضاً أن قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية الذي اتُخذ في الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي وما تبعه من قرارات مجحفة وتصريحات إستفزازية وإنذارات وتهديدات تعسفية بحقها قد أُعدت جميعها في "مطبخ الأبالسة" وألبسها رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري جلباباً عربياً مزيفاً وفره لهم الأمين العام للجامعة العربية "الذي أثبت بالفعل لا القول عدم نبله وعدم انتمائه للعرب أو العروبة في شيء إلا إسم العائلة"، بحيث أريد من وراء القرار وملحقاته شل يد سلطة الدولة السورية عن القيام بواجب حماية مواطنيها في مواجهة العنف الاصولى الذي تموله وتدعمه وتؤمن له التغطية الإعلامية إمارة قطر بالنيابة عن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والغرب والرجعية العربية كان قد سبقه قرار مماثل استهدف ليبيا، أوصلت قطر بموجبه وعبر حمد بن جاسم آل ثاني ومباركة ابن عمه حمد بن خليفة آل ثاني طبعاً قوات حلف الناتو الذي ترأسه الولايات المتحدة زعيمة الاستعمار الجديد في العالم لضرب ليبيا و"تحريرها" من قبضة العقيد معمر القذافي وتمهيد الطريق أمام الأصولية الإسلامية لخلافته في السلطة. كان القراران هما الأسوأ بين ما جلبه لنا "الربيع العربي" من حيث إلحاقهما الضرر بالأمن القومي العربي.
وأنا في خضم الحديث عن الدور التآمري لإمارة قطر والحمدين آل ثاني في "الربيع العربي" المزعوم، أعود بالذاكرة إلى حادثة حصلت في عام 2005 على هامش اجتماعات منظمة الأمم المتحدة في ذكرى ميلادها الستين "24 أكتوبر/تشرين الأول 1945 – 24 أكتوبر/تشرين الأول 2005" كان بطلها رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني.
أذكر أنه في حمى سباق الهرولة لتطبيع العلاقات مع تل أبيب آنذاك استغل بعض المسؤولين العرب والمسلمين تلك المناسبة ليجعلوا من النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية البطلة بفرضها الانسحاب الذليل على قوات الاحتلال الصهيونية من قطاع غزة في 15 أغسطس/آب 2005 فرصةً للشروع في إقامة علاقاتٍ مع هذا الكيان الصهيوني اللقيط أو للخروج بالعلاقات السرية التي كانت تربط بلادهم معه إلى العلن.
والأسوأ من ذلك أن هؤلاء اغتنموا تلك المناسبة لتقديم المكافآت المجانية للكيان الصهيوني ورئيس حكومته في حينه الإرهابي آرئيل شارون من خلال تصوير انسحاب قوات الإحتلال من القطاع على أنه هبةً أو منحةً مَنّ بها ذلك الإرهابي على الفلسطينيين ومن خلال تهديداتهم وتحذيراتهم للسلطة الفلسطينية من عواقب عدم نجاحها في بسط الأمن في هذا الجزء الصغير من الأرض الفلسطينية الذي تم تحريره بعد نضالٍ طويلٍ وشاق تخلله قوافل لا تُحصى ولا تُعد من الشهداء والجرحى والأسرى والمعتقلين، وتخلله وكمٌ هائل من الخراب والدمار شهده القطاع.
وأذكر أنه من بين هؤلاء المسؤولين كان رئيس الوزراء وزير خارجية إمارة قطر "العظمى" حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، الذي قال في كلمة ألقاها في حينه أمام مجلس العلاقات الدولية في نيويورك أنه ينحني "لإسرائيل تقديراً لانسحابها من القطاع"، مطالباً الدول العربية "باتخاذ بادرة صداقة تجاه إسرائيل في أعقاب الانسحاب"، ومحذراً من أن "عدم نجاح السلطة الفلسطينية في السيطرة على القطاع وضبط الأوضاع فيه سيؤدي إلى وقف أي تقدمٍ في العملية السلمية"!!
وأكثر من ذلك فقد حرص حمد بن جاسم آل ثاني على عدم تفويت فرصة انعقاد اجتماعات المنظمة الدولية دون لقاء نظيره الصهيوني سيلفان شالوم فعقد معه اجتماعاً مطولاً وصف بالحميمي، قدم خلاله يد الطاعة والولاء للكيان الصهيوني. كما وقام بترتيب "قمة تاريخية" بين ابن عمه وأمير بلاده حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس الحكومة الصهيونية في حينه الإرهابي آرئيل شارون بهدف تمتين وتطوير العلاقات "الأخوية" بين إمارة قطر "العظمى" وهذا الكيان الصهيوني العنصري.
حقاً أن:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلُ الهوانُ عليه ما لِجُرْحٍ بِمَيِتٍ إيلامُ