ضحى صلاح الدين
"العربية.نت"
كان كل حلمهم أن يروا الحياة بشكل أفضل فأصبحوا يرونها كما هي، ولكن هذه المرة بعين واحدة، فأحداث العنف التي شهدتها مدينة سليانة شمال غرب تونس أدت إلى جرح العشرات وإصابة العديد منهم بالعمى التام على مستوى عين واحدة على الأقل، بعد أن استقر فيها رش الرصاص الذي أطلقته قوات الأمن بهدف تفريق الاحتجاجات الشعبية.
"العربية.نت" توجهت إلى مستشفى الهادي الرايس وسط العاصمة للوقوف على حقيقة أنكرتها بعض الأطراف السياسية، وهي إصابة أكثر من 20 شابا بالعمى التام.
يبلغ حسام بالحاج من العمر 20 سنة، ويقول لـ"العربية.نت": "شاركت في الاحتجاجات الشعبية بسبب ما نعيشه في سليانة من فقر وتهميش، وقد أتعبتنا المشاريع الوهمية التي طالما كتبت عنها الصحف المحلية، ولم تنفذ أياً منها على أرض الواقع طال انتظارنا، فقررنا أن ننتفض على واقعنا، لكن أفراد الشرطة استقبلونا بالأسلحة وها أنا اليوم فقدت إحدى عينيّ، فأي مستقبل ينتظرني بعد ذلك".
ومن حيث أنهى حسام روايته بدأ بدر الدين الحملاوي 18 سنة في سرد شهادته حيث قال: "الصدفة وحدها هي من قادتني لأكون من ضمن جرحى مدينة سليانة، فأنا ذهبت لأتفرج على المظاهرات فقط فوجدت نفسي فجأة ملقى على الأرض والدماء تسيل من وجهي، وفي لحظة أدركت أنني فقدت البصر بعد أن بدأ السواد يحوم من حولي وانقطعت الرؤيا، وبدأت أسمع الضجيج فقط"، مؤكداً أنه فقد البصر تماما في عينه اليسرى.
أما حالة محجوب الحرباوي، العامل في إحدى الشركات الحكومية، فما زالت حرجة فهو مصاب في عينيه الاثنتين، وقد تمكن الأطباء من انتزاع "الرش" من عين واحدة فقط، بينما لم ينجح الفريق الطبي في إنقاذ العين الأخرى، وما زال مهدداً بالعمى التام حسب قوله، إذ إن العين التي تم استخراج "الرش" منها ما زالت مهددة بالعمى.
ومن ناحيته، يقول صلاح القرمازي، موظف في شركة في سليانة، عن وضعه: "خضعت لعملية جراحية في عيني اليمنى، ولم أعرف بعد مدى نجاحها لأن الإصابة كانت بالغة، وقد تخطى رش الرصاص العين ووصل إلى الدماغ". وأعرب صلاح عن أمله من أن تحمل له الأيام القادمة الشفاء التام "لأنني أعول أسرتي وأظن أن أي شركة في العالم عندما توظف أشخاصا، فهم على الأقل يجب أن يكونوا أصحاء بدنيا".
ويشرح قائلاً: "يوم الحادثة كنت عائداً إلى بيتي في ساعة الظهر كي أتغدى مع أفراد أسرتي، وكان عليّ العبور من إحدى الشوارع الجانية القريبة من المناوشات الدائرة حينها بين أفراد الأمن والمحتجين وأصابتني رصاصة غادرة طائشة باتت الآن تهدد مستقبلي ومستقبل عائلتي".
يشرح الدكتور عمر الزايدي، طبيب العيون في مستشفى الهادي الرايس لـ"العربية.نت": إن الرش الذي أصاب بعض المتظاهرين استقر في أماكن غائرة وسط العين، وهو ما حال دون استخراج بعضه، كما أنه تسبب للكثير من الحالات في نزيف حاد أتلف شبكية العين.
وأوضح أن بعض الحالات ما زالت حرجة جداً، وتتطلب وقتاً طويلا للشفاء التام، كاشفاً أن بعض الحالات يتوجب نقلها إلى الخارج لاستخراج الرش الذي وصل إلى حد الدماغ.
هذا وقد كانت وزارة الصحة التونسية قد أصدرت بيانا جاء فيه أن أحداث العنف في مدينة سليانة أدت إلى جرح 252 شخصا من بينهم 229 محتجاً و 21 رجل أمن وصحافيين اثنين وأكدت الوزارة أن 22 عملية جراحية دقيقة قد أجريت للمصابين على مستوى العينين.
وفيما اعترفت وزارة الصحة التونسية بفقدان اثنين فقط من المصابين لنظرهما بالكامل في إحدى العينين أشارت تقارير إعلامية إلى أن المصابين بالعمى وصل عددهم إلى 12 شخصاً، بينما كشف الحزب الجمهوري الذي زار مدينة سليانة أن 80 شخصا قد أصيبوا بالعمى.