العرب أونلاين- حازم خالد
القصة الشعبية مفردة من مفردات المأثور التخييليّ لدى الشعوب، وهي إلى ذلك، وعلى حدّ ما يرى أمحمد عزوي مؤلف كتاب "القصة الشعبية الجزائرية"، قصة تمثل سبيلا إلى نقل معارف تلك الشعوب من جيل إلى جيل ، ومن مكان إلى آخر بما ينمّي زادها التخييليّ بالمغامرات والمفاجآت والغرائب والخوارق.
في مقدمة الكتاب يقول المؤلف: "إن كلمة الأوراس تطلق على مجموعة من الجبال، تتشكل ضمن سلسلة الأطلس الصحراوي، وكلمة أوراس نجدها تكتب معرفة بـ "الـ" ومرة دون "الـ" وهي اسم علم معروف بذاته، لأنه يدل على جبل وقد كتبتها دائرة المعارف الإسلامية بـ"أوراس" وبالنطق اليوناني على الشكل التالي "أوراسيونوروس" أما في الفرنسية فجاءت على النحو التالي "أوريس" وفي اللغة العربية فنجد المادة "ورس".
السمة البارزة في المجتمع الأوراسي أنه مجتمع عشائري يسوده النظام القبلي، ويتكون من عنصرين أساسيين: العنصر الأول: يتمثل في السكان الأصليين لهذه المنطقة وهم المعروفون باسم "الشاوية"، وهم أقوام بربرية يعتقد الكثير من المؤرخين أن هذه التسمية قد اشتقت من كلمة "شاه" أي رعاة الماشية.
ويتمثل العنصر الثاني في العنصر العربي حيث يرى كثير من الدارسين أن أصولهم من بني هلال، الذين قدموا من مصر سنة 1501م واستقر جزء منهم في جنوب الأوراس متجاورين مع قبائل الشاوية.
أما عن أصول القصص، فهو نتاج شخص ما وفي وقت ما، فانتقل النص منه إلى الجماعة التي هو جزء منها، فتبنت هذه الجماعة النص، واحتوته ثم شكلته، فانتقل الإبداع من فرد إلى الجماعة التي نسميها من بعد الشعب.
ويرى المؤلف أن النص القصصي يولد ويترعرع في الأوساط الشعبية، هذه الأوساط يغلب عليها الجهل بالقراءة والكتابة، فانعدم التوثيق، ثم إن كثيرا من النصوص تتناول بالوصف أحداثا مختلفة يمكن لأي إنسان أن يصفها، أو ينقلها إلى الآخرين دون أن يركز لا على الزمن ولا على المكان، أو على نفسه كراوٍ، كما يحدث في يومنا هذا، إذ نستعمل الصيغة المألوفة عند الجميع وهي "قال لي واحد…" أو "أسمعت يقولون…".
أو كأن يصف أحدهم حادثة وقعت في وقت من الأوقات يذكرها بكل تفاصيلها دون الاهتمام بشكلها، ثم ينتقل هذا الوصف من السامعين إلى مستمعين آخرين، وهكذا إلى أن تنتشر في أماكن مختلفة، دون أن نعرف قائلها الأصلي ومكانتها.
وينتقل المؤلف إلى تصنيف قصص المنطقة قائلا: تضم القصة الشعبية في الأوراس وفي الجزائر بصفة عامة مجموعة كبيرة من الأصناف والأنواع، كما تتداخل بعض الأنواع في قصة واحدة، وهذا طبعا يعود إلى الرواة الذين مزجوا بين أنواع من القصص فجعلوها قصة واحدة، أو جزءا أو قصة طويلة، فأخذوا كل حدث على حدة، فنجدها تتنوع كالتالي: القصص السلطانية، القصص الدينية، القصص البطولية، القصص الحيوانية، قصص الجن والغيلان.
ويعتقد المؤلف أن المقصود هنا بالقيم الفكرية، تلك الأفكار التي يحملها النص، وإن لم تبدُ واضحة فإن هناك دلالات تشير إليها، ولو عن طريق بعض الكلمات أو الجمل، أو حتى بعض الصور.
فرغم بساطة النص الشعبي وسذاجته أحيانا، فإنه يحمل في طياته أفكارا تتنوع بتنوع قضايا الإنسان، واحتياجاته النفسية لإشباعها، فنجد أن الطبقات الشعبية المحرومة، قد عبرت عن معاناتها بواسطة القصة الشعبية بتعابير مختلفة، ولا يخلو نص من النصوص الشعبية من الإشارة إلى هذا الصراع، أو المعاناة منه.
وفي هذا المنحى ما نجده في قصة هارون الرشيد، فينص النص على أن هارون الرشيد سلطان عظيم وله مال كثير، لكن الخيال الشعبي لم يتركه في ملكه ينعم بماله، إذ طاف عليه طائف وهو نائم، وأخبره أنه سيقضي سبع سنوات في البؤس والحرمان وخيّره بين أن يقضيها في صغره أو كبره، فاختار قضاءها في صغره ما دام قادرا على التحمل، هذه السنوات السبع التي فرضها القاصّ الشعبي على هارون الرشيد، هي دعوة موجهة إلى الطبقة العليا، والطبقة الحاكمة إلى النزول إلى مستوى الطبقات الشعبية والتعرف على واقعها المعيش ومشاركتها ضنك العيش.
ويشرح الكاتب أن الغرض الذي يسعى إليه القاصّ في هذه القصة الشعبية هو قلب المألوف إلى ما هو غير مألوف ليحقق بذلك بعدا نفسيا وبعدا اجتماعيا. فالبعد النفسي يتمثل في: النزوع إلى الحرية وكراهية الظلم، والجبروت والرغبة في المساواة وهي خصائص هامة تعبر عن إحساس الطبقة الشعبية.
وأما البعد الاجتماعي فيتمثل في إبراز كيفية التعامل بين الطبقات، والإيحاء برفض هذه الطبقات لإيجاد مجتمع مبني على أساس المساواة والعدل والتعاون ونزول الطبقة العليا من أبراجها إلى واقع الطبقة السفلي لتتعرف على ما يعانيه الشعب.
وفي النهاية خلص المؤلف إلى أن النص جاء ممتلئا بالإيماءات والدلالات النفسية الداعية إلى المثل والقيم السامية لسعادة الإنسان، فجاءت القصة هادئة متسلسلة، جل أبطالها يتصرفون بحرية نابعة عن قناعة بهذا التصرف، فهارون الرشيد ترك الملك والعز بإرادته ليعرف حقيقة المعاناة التي تحياها الطبقات الضعيفة، والسلطان عرض بناته على شعبه دون أن يرغمه على ذلك أحد، إيمانا منه بأن العدل والمساواة هما ركيزتا الملك.
يذكر الكاتب أن النصوص الشعبية المروية في منطقة "الأوراس" تروى بلغتين مختلفتين: فاللغة الأولى هي العربية الدارجة أو المتفاصحة وهي قريبة الصلة بالعربية الرسمية "الفصحى"، وإن تخلت عن قواعدها، واللغة الثانية هي الشاوية، اللغة الأصلية للمنطقة، وإن ظهر في المدة الأخيرة تيار غلب عليه طابع الانغلاق، يعمل في قالب مهيكل ضمن جمعيات ثقافية يسعى لإحياء اللغة "البربرية".
وعند استعمال اللهجة العربية في القصة الشعبية نجد أنفسنا نتعامل مع لهجة متحررة من القواعد والضوابط ودخل عليها تعديل لما ألفناه في النصوص الفصيحة، وذلك على مستويات مختلفة.
فعلى مستوى الجملة نجد أنها تنشأ بسبب تعدد الكلمات وما يتبعه من تعدد المعاني الجزئية وتماسكها واتصال بعضها ببعض اتصالا ينشأ عنه "معنى مركب" فلا سبيل للوصول إلى المعنى المركب إلا عن طريق واحد هو اجتماع المعاني الجزئية وتماسكها واتصال بعضها ببعض اتصالا ينشأ عنه "معنى مركب".
ثم ينتقل الكاتب إلى الحديث عن اللهجة الشاوية قائلا: إن هذه اللهجة تستعمل على مستوى منطقة الأوراس بحدودها الطبيعية والممتدة من بريكة غربا إلى تبة شرقا، وهذه اللهجة بطبيعة الحال لا تكون موحدة على مستوى هذه المنطقة الشاسعة، وحتى على مستوى المنطقة التي نحن بصددها –منطقة الأوراس الإدارية الحالية المتمثلة في ولاية باتنة- وإن كان هذا الاختلاف بسيطًا لا يتعدى بعض المظاهر اللسانية، وطريقة نطق بعض الحروف.
وللتعرف والتقرب على بعض الاستعمالات اللغوية في اللهجة الشاوية نجد عدة مستويات، فعلى مستوى الجملة: نجد في التركيب الشاوي ما نجده في التركيب العربي، من حيث مكونات الجملة "فعل وفاعل ومفعول به، ومن مبتدأ وخبر وجار ومجرور وإضافة"، وغير ذلك من المكونات التي تشبه في كثير من الأحيان الجملة العربية، من حيث الصياغة والتركيب، كما أن الجملة في عمومها مطعمة بكلمات عربية وبعض الكلمات الأجنبية.
أما على مستوى الكلمة، نجد أن النص الشاوي هو مجموعة من الكلمات المختلفة المتآلفة فيما بينها المكونة للنص، دون أن يؤثر هذا على ذاك.
ولكن يلاحظ أن استعمال المفردات العربية في الشاوية كبيرة إذا ما قُورنت باستعمال المفردات الأجنبية، وهذا أمر طبيعي لسكان المنطقة، وذلك لسببين الأول: أن المنطقة تتشكل بشريا من شاوية وعرب، ونظرا للاحتكاك والمجاورة والتبادل المنفعي، يأخذ كل من الآخر، فيتأثر هذا بهذا، أما الثاني: يتمثل في نظر الشاوية إلى العربية على أنها لغة الدين، ولغة القرآن الكريم ولا يتم فهمها إلا بالعربية، ومن ذلك كان اهتمامهم بها، والدليل على ذلك انتشار الزوايا هنا وهناك، وجلب العلماء لها لتعليم أبنائهم.
يرى المؤلف أن النصوص القصصية، وإن اختلفت عن بعضها في شكلها وفي مضمونها، فإنها تشترك في قواسم مشتركة يمكن عدها خصائص عامة، وهي: البداية وهي قد تكون كسائر مدة ثم توقف لينظر إلى ما وراءه، إلى المسافة الكبيرة التي قطعها، حيث لا ينظر إلى الطريق الذي سلكه وإنما إلى كل المسافة التي يحددها مجال رؤيته دون أن يخص مكانا معينا.
هذه الشمولية تعبرعن واقع بالنسبة إليه تأكد من وقوعه وإن كان خارجا عن دائرة رؤيته، ومن هنا كانت بداية القصة على هذا الشكل "كان اللي كان" أو "يل واكلان" فالكينونة هذه لها زمان، زمان حاضر، حضر في النص أثناء روايته، لأن الراوي لابد له من أن يبتدئ من الماضي البعيد لينتهي بالماضي القريب.
وخلاصة القول إن هذه الخصائص المشتركة في بناء النص، تعمل في إطار خارجي للنص لتحدد المعالم البارزة فيه، كعلامات لشكله العام يمكن أن ترى عن بعد، كما تعمل داخل إطاره الحاوي لمجموعة من المؤلفات يتكون منها النص ضمن مقاييس مختلفة الأبعاد والوظائف، يتم التفاعل فيما بينها بواسطة مسوغات فنية لتحقيق الهدف الذي يسعى النص الوصول إليه.