هسبريس ـ حسن الأشرفحضر مستشارو الملك محمد السادس بشكل لافت في عدد من الاجتماعات الرئيسية التي جمعت الوفد الرسمي المغربي بنظيره السعودي، على هامش زيارة الملك للسعودية وبعدها إلى دول خليجية أخرى، الأمر الذي يطرح التساؤل حول دلالات ومؤشرات هذا الحضور الفعلي والطاغي لمستشاري الملك في هذه الزيارة.
وتصدّر مستشارو الملك: فؤاد علي الهمة وعمر عزيمان وياسر الزناكي، وأيضا زليخة الناصري، جلسات الاجتماع الوزاري المشترك بين المغرب والسعودية زوال أمس الأربعاء، بشكل بدا معه كأن وزراء الحكومة الحاضرين؛ وهم الوردي وبركة والعثماني وأخنوش والرباح والدويري؛ يجلسون بـ"أهمية" أقل من المستشارين الملكيين في الاجتماع نفسه.
وكان أيضا لافتا ظهور زليخة الناصري، مستشارة الملك المكلفة بالقطاعات الاجتماعية والعضو الفاعل في المجلس الإداري لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، في الاجتماعات ذاتها بـ"حجاب" يغطي جزء كبيرا من رأسها احتراما لمقتضيات وأعراف زيارات الوفود الأجنبية للسعودية.
ويرى مراقبون أن تصدُّر مستشاري الملك لاجتماعات العمل الرسمية التي يقوم بها الوفد المرافق للملك في زيارته للسعودية والأردن، ثم في قطر والإمارات والكويت، مؤشر على الأهمية البالغة التي تحظى بها "مؤسسة" المستشار الملكي في تدبير ومواكبة بعض الملفات والقضايا ذات الراهنية، باعتبار أن المستشارين الذين يحضرون اجتماعات العمل في الخليج يمسك كل واحد منهم بملف معين، فالزناكي مثلا يدير ملف السياحة، والهمة كل ما هو سياسي وأمني، والناصري تدبر الملف الاجتماعي وما له علاقة بالمشاريع التنموية، وعزيمان بالملفات القانونية والدستورية..الخ.
ويرى آخرون بأن ثمار الزيارة الملكية إلى دول الخليج، من الناحية المالية والاقتصادية في هذه الحالة، غالبا ما سيجنيها الملك ومستشاروه أكثر من وزراء حكومة بنكيران، باعتبار أن هؤلاء المستشارين يتصدرون ويمسكون بتلابيب الملفات ذات الأولوية التي يتم النقاش حولها، من أجل الحصول على هبات مالية بملايير الدراهم سيكون لها الأثر الإيجابي في الدورة الاقتصادية للبلاد في ظل "أزمة" تعاني منها السيولة المالية، وتلقي بظلالها على الأداء الاقتصادي للحكومة الحالية.
الملك وشركاؤه
وبالنسبة للدكتور إدريس لكريني، مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، فإنه اعتبارا للأساس الدستوري يحظى الملك بمكانة رئيسية في مجال صناعة القرار الخارجي، فبموجب الفصل الـ42 من الدستور يعتبر الملك هو "الممثل الأسمى للدولة ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها".. وهو الساهر على احترام التعهدات الدولية للمملكة، كما يوقع عددا من المعاهدات ويصادق عليها بمقتضى الفصل الـ55.
وتابع لكريني، في تصريحات لهسبريس، بأن هناك شركاء آخرين يساهمون، إلى جانب الملك، في نسج السياسة الخارجية المغربية، كرئيس الحكومة ووزير الخارجية، وخاصة بعد صدور مرسوم 20 يناير 1995 من خلال إعداد وتنفيذ عمل الحكومة في الميادين التي تهـُمّ علاقات المغرب الخارجية وتوجيه العمل الدبلوماسي وتنمية التعاون الدولي، إضافة إلى باقي الوزراء ومؤسسة البرلمان، من خلال الدبلوماسية البرلمانية.
والدستور المعدّل (يوليوز 2011) دعّم صلاحيات السلطة التنفيذية في هذا الصدد، على مستوى إمكانية تداول مجموعة من القضايا ذات الصلة في المجلس الحكومي (الفصل الـ92)، إضافة إلى منح رئيس الحكومة صلاحيات واسعة تتجاوز تنسيق العمل الحكومي إلى ممارسة السلطة التنظيمية (الفصل الـ90)، وبلورة عمل حكومي متضامن (الفصل الـ93 من الدستور) ناهيك عن وجود شخصية دينامية مشهود لها بالكفاءة على رأس وزارة الخارجية والتعاون المغربية..
وأفاد لكريني بأن الدستور عمل على تجاوز التداخل بين السّلط وتوضيحها وتوسيعها، بما يمكن أن يسهم في تجاوز الاجتهادات المنحرفة؛ غير أن ذلك يظل مرتبطا بطبيعة النخب الحكومية وبقدرتها على أجرأة هذه المقتضيات وتحريكها ميدانيا، ومواجهة كل ما من شأنه أن يؤثر بالسلب على صلاحياتها الدستورية في هذا الشأن، في إطار سياسة خارجية منسجمة تستحضر المصالح العليا للبلاد.
واسترسل المحلل بأن "دمقرطة" وعقلنة السياسة الخارجية ودعم انفتاحها على مختلف الفاعلين هو خيار تفرضه تحوّلات العلاقات الدولية في العقود الثلاث الأخيرة، من حيث أبعادها ودوافعها، وتعدد الفاعلين فيها ووجود تداخل بين الشأنين المحلي والدولي نتيجة للاعتماد المتبادل وتشابك المصالح، وتنامي البعد الاقتصادي في العلاقات الدولية وارتباط القرار الخارجي للدول بالمصالح، بمختلف تجلياتها وأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتعقد القضايا والأزمات الدولية وتسارعها.
وأردف بأن وظيفة الدبلوماسية لم تعد مقتصرة على نسج وتعزيز العلاقات التقليدية بين الدول، بل أصبحت ترتبط بتقديم نموذج دبلوماسي تشاركي يعكس التحولات المجتمعية والسياسية؛ كما أصبحت تحمل على كاهلها مسؤوليات جسام في علاقتها بتدبير الأزمات المختلفة، وجلب الاستثمارات وتعزيز المصالح العليا للدولة في جوانبها ومظاهرها المتعددة، بالإضافة إلى المساهمة في خدمة قضايا السلم والأمن الدوليين.