يعدّ مصطلح الحداثة من أكثر وأخطر المصطلحات الأدبية التي طفت على السطح في العصر الحديث وصاحبها دوي كبير، فهو بحق مصطلح جدلي له مؤيدوه ومعارضوه، من ثم دائما تثار تساؤلات حول ماهية الحداثة وظروف نشأتها والمدى الذي يمكن أن تصل إليه.
الحداثة هي مذهب فكري غربي المولد والنشأة، انتقل إلى العالم العربي بمرور الوقت وتقارب الحضارات وتداخلها، ولأن نشأة هذا المصطلح في الفكر الغربي ارتبطت بفكرة التمرد على الدين والأخلاق منذ بداية ما يسمي بعصر النهضة في القرن الخامس عشر الميلادي، حين انفصلت المجتمعات الأوروبية عن سلطة الكنيسة الكابتة للحريات والمتدخلة في الحياة الاجتماعية، ومن ثم انتقل المصطلح إلى الفكر العربي محملا بتفسيرات فلسفية ودينية هو في الأساس براء منها، فالحداثة تعني الحرية والانطلاق في فضاء الإبداع بلا قيود شكلية شريطة عدم الخروج علي القواعد الأساسية.
محمد الفيتوري: الحداثة تعني الجديد الصادق الأصيل
يرى الشاعر محمد الفيتوري أن الحداثة تعني الجديد، الجاد الصادق الأصيل بما يقدم للفكر الإنساني من جديد في رؤية الواقع الاجتماعي والوجداني والحقيقة الإنسانية. وأن تكون لدي المجدد المحدث إمكانات ولا يعبث بالمقدسات، ويقصد بالمقدسات الأشياء القيمة الجميلة في حياتنا كالقيم النبيلة والفضائل العليا وأعني بالمقدسات أيضا جوهر الإبداع، إذا صح هذا التعبير.
بهاء طاهر: هناك حدود للحداثة
أما الروائي بهاء طاهر فيؤكد أن الحداثة رغم تعدد تعريفاتها فإنها تدور في فلك التجديد والتجريب. ولا أعتقد أن هناك حدودا للتحديث، لكني أعتقد أن ثمة خطرا يهدد المبدع، إذا ما اعتبر التجريب قضيته. التجريب معناه أن لدى الكاتب تجربة جديدة يريد أن يعبر عنها بأسلوب جديد، حتى أن كلمة " يريد " ليست هي الكلمة المناسبة في هذا السياق.
ويضيف: الأصح أن نقول إن لدى الكاتب تجربة لا يمكن أن يعبر عنها إلا بهذا الأسلوب الجديد، أما إذا اعتبر الكاتب أن التجريب والتحديث قضيته، يكون قد انتهى كمبدع.
ياسين رفاعية: انتماء حقيقي للمستقبل
الروائي السوري ياسين رفاعية يرى أن الكتابة التقليدية ليست هي التي تنتمي إلى الماضي، فأنا أري أن كاتب الخمسينات في الخمسينات كاتب حداثي وكاتب الثمانينات في الثمانينات حداثي. إن الحداثة هي انتماء حقيقي للمستقبل، شرط التعبير عن اللحظة المعيشة المعاصرة، وأنا لا أقر أن الكاتب يجب أن يستمر في التحديث ولا يصل إلى صيغة محددة تميزه، بعض الكتاب يضيعون شخصيتهم الإبداعية في التحديث واللهاث وراء الجديد.
الطاهر بن جلون: كلمة فضفاضة المعنى والدلالة
يشير الروائي المغربي الطاهر بن جلون إلى أنه من الصعب الحديث عن الحداثة، أو تحديدها بإطار، إنها كلمة فضفاضة المعنى والدلالة، لكني لا أؤمن بحداثة مجردة. فهي لابد من أن تكون مرتبطة ومرتكزة على تراثنا القديم، فإذا كنا نحترم هذا التراث فلندخله إلي الاتجاهات الأدبية الحالية لتعطينا حداثة أكبر وأهم إذا كنا متشبثين بقيم حضارتنا القديمة كالحرية واحترام حقوق الإنسان، وغير ذلك، وهي قيم تقوم على أساس حرية التعبير – وهذا مهم جدا للمبدع – إذن الحداثة هي احترام القيم.
إدوارد الخرّاط: اقتحام المجهول دون إدعاء أوزيف
الروائي والناقد إدوار الخراط يعتقد الحداثة هي المساءلة الدائمة للقيم الراسخة، وهي تجاوز النمط التقليدي واقتحام المجهول دون ادعاء أوزيف. وحرية الفنان في التحديث إلى غير مدى. والحرية التي أقصدها لا تعني الانفلات دون رقيب.الشكل والمضمون هما مقومان أحدهما يملي الآخر وأحدهما يتحكم، كذلك فإن أحدهما مفروض علي الآخر وليس لأحدهما سبق علي الآخر. الحداثة هي الجانب الآخر من المعادلة، حيث يمكن لك أن تتصور أن الجناح الأول من المعادلة هو المضمون التقليدي، السلفي، النمطي، هذا من جانب. والشكل والمضمون الحداثي معا هما التطور الطبيعي المغامر في الجانب الآخر.
رضوى عاشور: لا نستطيع أن نعيش في معزل عن الحداثة
الروائية والناقدة رضوى عاشور تقول :" إذا كانت الحداثة تعني الجديد، فإن الجديد ليس مقتصرا على بلد واحد أو بلاد بعينها أو علم واحد أو علوم بعينها. الجديد يختلف من بلد إلى بلد ومن علم إلى علم. ويقال بطرق مختلفة. إننا لا نستطيع أن نعيش في معزل عن الحداثة، ورغم الكتابات الكثيرة عن الحداثة فإنها كلمة ضبابية المعني والدلالة، لأننا أردنا لها أن تكون كذلك، ولم تستطع الكتابات الكثيرة أن تجيب على أسئلة مهمة جدا وحيوية: هل الحداثة تعني الاطلاع على الحديث فقط؟ أو الاطلاع والسير في طريقه؟ أو أن الحداثة انتماء لتيار ما حديث؟
فاروق جويدة: المحافظة على القديم واستكماله
في رأي الشاعر فاروق جويدة، أنه لا يمكن أن يبدأ الجديد على أنقاض القديم. أي بناء الجديد لابد أن يقوم على مقومات تراثية وجذور ممتدة عبر عصور طويلة للثقافة والمعرفة. يقول:"لا أستطيع أنا ولا غيري انتزاعها فجأة وإلقاءها جانبا"، ويضيف: إن الحداثة هي المحافظة علي القديم واستكماله وتطويره، وتتحقق باستيعاب كامل للتراث ومحاولة التجديد من خلال رؤية جديدة ومعاصرة.
محمد التهامي: تطوير الواقع إلى ماهو أفضل
الشاعر محمد التهامي يذهب إلى القول إن الحداثة هي معايشة العصر، والنظر دائما إلى المستقبل، والعمل علي تطوير الواقع إلى ما هو أفضل، وليس من الضروري أن تكون الحداثة في تقليد الأكثر تقدما في الشكل، ولكن هي أن تطور ما تملك علي هدى ما تراه، والحداثة لا تنقسم إلى شكل ومضمون. لكن من حيث الأهمية أرى أن المضمون يسبق الشكل، وإذا تعارض الشكل مع المضمون، فأنا أقدم المضمون على الشكل . فالمضمون هو الجوهر، هو الحقيقة، بحيث لا ينفصل التحديث عن أصل الفن أي لا يضر التحديث بجوهر الفن."
يوسف القعيد: مشروع للمبدع للخروج من التقليدية
أما الروائي يوسف القعيد فيقول: "السابقون أنجزوا ما أسميه بالكتابة التقليدية التي تخشى التجديد والتحدي وتدير ظهرها للمغامرة الفنية، وأعتقد أن مهمة الفنان الخروج من تقليدية من سبقوه، وكل ما يقال عن الحداثة مقولات ناقصة وكلمات غامضة وجمل مقعرة ومحدبة لا أفهمها ولا أعرف عنها أي شيء وأنظر إليها باستغراب شديد". ويضيف:" الحداثة ببساطة – في رأيي – مشروع للمبدع للخروج من تقليدية من سبقوه، وأري أنه لا حدود للتحديث، والمبدع الذي لا يجرب يتجمد ولا يتقدم للأمام أبدا."
ويخلص إلى أن المبدع هو من يرغب بالتجديد والتحديث الخروج من الأشكال التقليدية التي يرى أن المتلقي قد تشبع بها، وأن من حق المبدع أن يحدث صدمة لدى المتلقي، هذه الصدمة أسميها سحر الفن.
فاروق شوشة: التعبير عن العصر
الشاعر فاروق شوشة يذهب إلى أن الحداثة هي التعبير عن العصر، والإنسان الذي يحمل مسؤولية الانتماء إليه والسماح لرياح التغير أن تهب داخل أروقة الكلمات ونسيج الصور والعلاقات اللغوية والدلالات.