أحمد عصيد
إلى امحمد الخليفة...
يبدو أنّ ثمة مشكل حقيقي لدى قياديي حزب الاستقلال، وهو أنهم لا يفهمون أنهم متجاوزون، كما لا يدركون أن سياسة تدبير القضايا الكبرى للوطن، لم تعد تتوقف على رأيهم، بسبب مفهومهم الاختزالي الضيق لـ"الوطنية"، وعندما يفوتهم الركب بسنوات ضوئية، عندئذ فقط يلتحقون دون أن يخجلوا من مواقفهم السابقة، أو يعتذروا عنها، أو حتى يعترفوا بوجودها، هذا ما يوحي به كلام السيد امحمد الخليفة حول الأمازيغية، والذي نشرته بعض المواقع الإلكترونية مؤخرا.
ما عبّر عنه السيد الخليفة لا يختلف عما صرّح به السيد عبد الواحد الفاسي قبل أسابيع، عندما كان يحلم بزعامة حزب الميزان، وقد ذكّرناه آنذاك بأن الزعامة لا تكون باستظهار "الثوابت" المتقادمة، بل بمواكبة تحولات المجتمع وتطورات الفكر السياسي الحيّ. الخليفة يرتكب نفس الخطأ وهو الذي التحق متأخرا بموكب الصراع حول الزعامة دون أن تكون له حظوظ تذكر، عاد إلى موضوع الأمازيغية الذي حسمه الدستور المغربي، ليذكّرنا بمواقفه الإيديولوجية التي عبّر عنها بصوت جهوري في التلفزة المغربية ثلاثة أيام قبل إعلان مشروع الوثيقة الدستورية، عندما نزل بالمظلة ضيفا على برنامج "حوار"، وصرخ معلنا أنّ ترسيم الأمازيغية في الدستور سيؤدّي حتما إلى "الحرب الأهلية" وإلى اقتتال المغاربة فيما بينهم، وهو ما لم يلق آذانا صاغية عند الحاكمين الذين استجابوا للمطلب الذي تضمنه 90 في المائة من المذكرات التي تلقتها لجنة مراجعة الدستور آنذاك، والتي دعت إلى ترسيم اللغة الأمازيغية إنصافا وحماية لها.
عاد السيد الخليفة ليقول "ولو طارت معزة" إن ما تضمنته مذكرة حزبه هو الصواب: لغة رسمية وحيدة هي العربية، ولغة وطنية هي الأمازيغية "تكريما لها" في انتظار أن تندثر من الوجود. والغريب أن السيد الخليفة يتناقض دون حرج عندما يدعو إلى اعتبار الأمازيغية والعربية متساويتين وإلى "إعطائهما نفس القوة" وتفس المؤهلات بجعل إحداهما رسمية الثانية وطنية، وعاشت المساواة !!.لم يكتف القيادي الاستقلالي بهذا المزاح السمج بل أضاف بعض التوابل: أن الرجل لا يقبل باللغة الأمازيغية المعيار، يريدها لهجات متفرقة تتآكلها اللغات الأخرى وتتوزعها إلى أن تتلاشى، ولا يبقى من معجمها أو من مقوماتها شيء، وهو نفس ما قاله من قبل حول حرف تيفيناغ العريق الذي يخرج الآن إلى العلن ليكتسح الفضاء العمومي في علامات التشوير وواجهات المؤسسات، بعد أن نال بجانب الاعتراف الوطني اعترافا دوليا.
يرفض الخليفة اللغة الأمازيغية المعيار، أي لغة المدرسة، وهو لا يدري عمّ يتحدث، لأن من حرّضوه في الموضوع قدّموا له معطيات مغشوشة، وكأن الأمازيغ ينتظرون الضوء الأخضر من الخليفة أو من حزبه لكي يوحّدوا لغتهم العريقة، ويضعوا لها المعاجم وقواعد النحو والصرف والإملاء، لم ينتبه السيد الخليفة إلى أن اللغة العربية التي يتكلمها هي لغة معيار، تمّ توحيدها وتجميعها من لهجات عربية كثيرة، وهو ما لا ينفي مطلقا وجود هذه اللهجات العربية حيّة في عدد كبير من البلدان إلى اليوم، حيث يتمّ بها التخاطب اليومي وتتم بها أنشطة مختلفة.
لحزب الاستقلال "ثوابته" التي يمكن له الاحتفاظ بها إلى نهاية التاريخ، فهذا لم يعُد يضرّ أحدا على الإطلاق، ولكن للأمازيغية أيضا ثوابتها التي راكمتها بتضحيات جسيمة، إلى أن رسّختها داخل المؤسسات، وهي ثوابت لا تقبل المساومة، لأنها بالنسبة للغتنا مسألة حياة أو موت:
ـ أن الأمازيغية لغة جميع المغاربة بدون استثناء.
ـ أنها لغة إلزامية ، تماما مثل اللغة العربية وليست اختيارية أو مرتبطة بمزاج الأشخاص.
ـ أنها تُدرّس لغة موحّدة داخل المدرسة، ومُمعيرة ومقعّدة، كما هو شأن كل لغات الدول في العالم، وهو ما من شأنه أن يغني فروعها المتنوعة وينقذها من التلاشي والإنمحاء.
ـ أنها لغة المؤسسات بجانب اللغة العربية، ولم يعد يمكن معاملتها بأقل من وضعها القانوني الحالي.
ـ أنها تكتب بحرفها الأصلي العريق تيفيناغ، الذي يرمز إلى أربعة آلاف سنة من العراقة التاريخية، وإلى الارتباط المتجذر بأرض المغرب وشمال إفريقيا.
ـ أن الأمازيغية ليست مجرد لغة، بل إنها لا تنفصل عن قيمها الثقافية التي قوامها المساواة والعدل والحرية، التي هي قيم كونية إنسانية.
ـ أن الأمازيغية لا تنفصل عن مشروع البناء الديمقراطي الشامل في المغرب، وأن النهوض بها يتمّ في إطار المصالحة الوطنية التي ترمي إلى وضع حدّ للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بلادنا.
هذه ثوابتنا التي أسّسنا لها على مدى نصف قرن، وعلى الذي لم يواكب مسار التحولات المغربية أن يعتزل السياسة، ويلوذ بالصمت حتى يتستر عن ضعفه، ويرحم الناس من جهله.