عبد الفتاح الفاتحي*
بمناسبة تنشيط برنامج تبادل الزيارات العائلية من جديد من وإلى العيون والسمارة تحت إشراف منظمة غوث اللاجئين كجزء من تفعيل إجراءات تبادل الثقة بين العائلات الصحراوية، تسعى جبهة البوليساريو اليوم عبر دعاية إعلامية إلى توقيف هذا البرنامج لما يشكله ذلك من خطر على أطروحتها الانفصالية، وذلك باتهام منظمة غوث اللاجئين بالتواطؤ والانحياز للطرف المغربي حينا أو بالافتراء على السلطات المغربية بأنها ضايقت المستفيدين من الرحلة.
وها هو هذا البرنامج يتواصل على وقع نفس الادعاءات تواصلت أخيرا أولى عملية تبادل الزيارات العائلية بين العيون ومخيمات تندوف تنفيذا لتوصيات تقرير بان كيمون الأخير حول الصحراء. حيث جرت مؤخرا الرحلة الثالثة عشرة ضمن عملية تبادل الزيارات العائلية.
وإذا كانت غايات برنامج تدابير بناء الثقة مضمرة في رؤية الأمم المتحدة، بحيث لا يتم الإعلان عن مضامينها إلا في كونها ذات بعد إنساني، وتهدف إلى لم الشمل بين الأسر الصحراوية، إلا أنها في الحقيقة تروم فتح نقاش مشترك بين الصحراويين لتدبير تصور للحل بعيدا عن التسيس الذي تقوم به البوليساريو بإيعاز جزائري.
وإن تكن رؤية برامج بناء الثقة تتناغم وسعي الأمم المتحدة بخصوص فتح نقاش مع الصحراويين لاستخلاص مداخل جديدة للحل. وذلك تنفيذا لما عبرت عنه الفقرة 24، "فيما يتعلق بتدابير بناء الثقة، رحب الطرفان والدول المجاورة بخطط المفوضية الرامية إلى استئجار طائرة أكبر لتنظيم زيارات عائلية (انظر الفقرة 67)".
إن رهان البرنامج من استفادة جميع الصحراويين منه، إنما الغاية منه الالتقاء والتواصل وتبادل الآراء، ولذلك تفكر الأمم المتحدة في إيجاد العديد من البدائل لاستدامة نقاش المستقبل السياسي للنزاع في الصحراء بعيدا عن مزايدات جبهة البوليساريو. وهو ما يجعل الأمم المتحدة تقترح إمكانية الترتيب لاستخدام مقاهي الإنترنت كوسيلة للتواصل بين أفراد العائلات الصحراوية. وعلى العمل مع المفوضية لتنظيم حلقتين حول الثقافة الحسانية.
وهكذا انطلقت الأمم المتحدة في هذه الخطة بانطلاق البرنامج سنة 2004، إلا أنه ظل يعرقل بالمزايدات السياسية للبوليساريو، فتارة تريد من البرنامج تحقيق مكاسب سياسية عبر تحريض المستفيدين من نشطائها السياسيين لخرق بنود اتفاق البرنامج في سعي واضح لتسييس برنامج الزيارات العائلية. ولما فشلت في مساعيها هذه، وكانت النتيجة لصالح المغرب حيث اقتنع عدد من ساكنة المخيمات بالعودة إلى الوطن، حين قام البعض منهم برحلة هروب جماعية نحو المغرب، مما خلق ارتباكا لدى البوليساريو تمخض عنه تكثيف الحصار على المخيمات. فقامت بعرقلة كامل البرنامج الإنساني، مدعية أن المفوصية الأممية للاجئين تتواطؤ مع المغرب في تدبير رحالات الزيارات العائلية دون استشارتها.
ولقد كشف التقرير الأخير لبان كيمون بشأن الصحراء استحالة تفعيل توصية إحداث طريق بري للزيادة من حجم المستفيدين من برنامج تبادل الزيارات الأسرية من السمارة والعيون وإليهما بسبب عراقيل للبوليساريو والجزائر، تنضاف إلى عدم السماح لمفوضية غوت اللاجئين تطبيق توصية أممية تتعلق بإجراء إحصاء ساكنة المخيمات.
إلا أنه وعلى الرغم من قبول البوليساريو بإحياء برنامج بناء الثقة كما ورد في التقرير الأخير حول الصحراء، إلا أنه سيبقى تحت رحمة تسييس البوليساريو له. بإعلام البعثة بوجود مخاطر أمنية، أو التشويه عليه بحملات إعلامية تقوض أي إمكانية لمناقشة الصحراويين مسارهم السياسي حتى تبقى الماسكة الوحيدة بحيثيات الملف، ولاسيما بعدما دعا تقريري بان كيمون حول الصحراء إلى إشراك الصحراويين من الداخل في المفاوضات.
وفي سياق تحديات برنامج بناء الثقة نبه التقرير الأممي الأخير حول الصحراء إلى التأثر السلبي الذي يواجه برنامج تدابير بناء الثقة بعد خطف العاملين الثلاثة في مجال الإغاثة الإنسانية من داخل مخيمات تندوف، وهو ما ترتب عنه تعليق مفوضية شؤون اللاجئين ما كانت توفده من بعثات إلى المخيمات وتأجيل الرحلات الجوية المجدولة من أجل الزيارات الأسرية.
وكانت المفوضية تشرف على عمليات تبادل الزيارات الأسرية عن طريق الجو والخدمات الهاتفية المجانية، لكنها تعثرت بسبب العراقيل التي اصطنعتها البوليساريو باتهامها للمفوضية بالتواطؤ مع المغرب والتنسيق معه دونها، واثر ذلك انقطعت الخدمة الهاتفية المجانية لهذه السبب.