العرب أونلاين- شـادي زريـبي
هي رواية من الخيال العلمي، تتحدث عن آفاق التطور العلمي بسلبياته وايجابياته، من خلال عرض جهد لمجموعة من العلماء والباحثين أسسوا مدينة علمية بعد الحرب العالمية الثانية، قادرة على مقاومة الدمار النووي. كما تتناول طغيان الآلة على الإنسان ومحاولة تفادي هذا المصير بكل الوسائل والسبل الممكنة لإعادة الثقة والأمل والتفاؤل بين الناس.
تعدّ رواية "الطوفان الأزرق" من أبرز روايات الأديب الراحل الرائدة في مجال أدب الخيال العلمي العربي، فقد أزعجه وأخافه مصير الحضارة البشرية وكنوزها إذا ما قامت حرب ذرية وشغل تفكيره في وسيلة للحفاظ عليها، فأطلق لخياله العنان فكتب هذه الرواية التي نشرت عام 1976، واقترح فيها خزن كنوز الفكر البشري في مكان أمين بقلب الأرض، سماه "جبل الجودي" نسبة إلى الجبل الذي رست عليه سفينة نوح عليه السلام ومن معه من المؤمنين نجاة من عذاب الطوفان، وقد تنبأ البقالي في روايته بالعديد من الأفكار التي أصبحت الآن حقائق علمية واقعة.
يقول عبد السلام البقالي:"حين انتهيت من كتابة "الطوفان الأزرق" لم أكن أعلم أنها ستكون راوية كتبت بالعربية في أدب الخيال العلمي."
وعن تجربته في كتابة هذه الرواية، يقول البقالي:" انتهيت من كتابة هذه الرواية عام 1968 في واشنطن، أيام عملي هناك كمستشار ثقافي بسفارة المغرب، حيث كان العالم الغربي يعيش في أواسط الستينات أزمة الصواريخ الكوبية، وكنا- نحن سكان واشنطن آنذاك- مهددين بأول غارة ذرية في تاريخ البشرية، وكان الاتحاد السوفياتي في عهد خروتشوف قد نصب عددا من الصواريخ المزوّدة برؤوس نووية موجهة إلى أكبر المدن الأميركية، وعلى رأسها واشنطن ونيويورك، وكذلك كانت للولايات المتحدة صواريخ نووية موجهة إلى الاتحاد السوفياتي، وكان القطبان مهددين بالدمار الشامل المتبادل، الأمر الذي جعل وضعنا على كوكب الأرض أشبه بوضع قوم نوح قبل الطوفان، إلا أن الطوفان الإشعاعي –الأزرق- كان سيكون أشدّ فتكا في غياب سفينة نوح المعاصرة".
ويستطرد البقالي قائلا:" ما أزعجني هو مصير الحضارة البشرية، وكشوفاتها العلمية، وكنوزها الفكرية، وروائعها الأدبية والفنية. ومن ثمّ شغلني التفكير في وسيلة للحفاظ على هذه المكتسبات الإنسانية، فكانت هذه الرواية، وكان اقتراحي الوارد فيها بخزن كنوز الفكر البشري في مكان أمين بقلب الأرض، بحيث تعثر عليه البشرية القادمة بعد عشرة آلاف سنة المقدّرة لزوال الإشعاع الذرّي، وبقيت الرواية جاهزة للطبع حتى بعد عودتي إلى المغرب عام 1971."
ويضيف قائلا: "ورغم أن الأزمة الحمقاء انفجرت بإدراك الطرفين أنهما مقبلان على الانتحار، إلا أن سيف دموقليس بقي حتى الآن معلقا فوق رأس البشرية، مادام جسدها المريض يفرد فيروسات من نوع صدام ودكتاتور كوريا الشمالية، كيم إل صونغ! بقيت رواية الطوفان الأزرق راقدة الى أن خاطبتني الدار التونسية في نشر بعض أعمالي، فكان من نتائج ذلك الاتصال نشر ثلاثة كتب من بينها الطوفان الأزرق التي صدرت سنة 1976، أي بعد ثماني سنوات من كتابتها."
ويرجع الأديب الراحل عبد السلام البقالي سبب عدم انتشار أدب الخيال العلمي في عالمنا العربي، بقوله:" إن الأدب ابن بيئته، ولو لا وجودي في أميركا لمدة طويلة، وقراءتي لعدد كبير من روائع أدب الخيال العلمي، ما كنتُ انفعلت لأزمة صواريخ كوبا، ولا كتبت رواية "الطوفان الأزرق"، كما أن كلمة "خيال" تحجب كلمة "علمي" وتقلل من شأنها في نظر ناشرينا قبل قرّائنا."
رحل الأديب المغربي أحمد عبد السلام البقالي يوم 31 يوليو-تموز 2010، عن سن 78 عاما، وذلك بعد مرض لم يمهله طويلا.
وحصل الأديب أحمد عبد السلام البقالي، وهو من مواليد مدينة أصيلة سنة 1932، على شهادة التوجيهية من القاهرة، وفي عام 1955 التحق بجامعة القاهرة وتخرج منها متحصلا علي شهادة الإجازة في علم الاجتماع، والتحق عام 1959 بجامعة كولومبيا حيث تابع دراسته في الاختصاص ذاته.
وعيّن البقالي عام 1962 ملحقاً ثقافياً بسفارة المغرب بواشنطن، وفي 1965 عين قنصلاً عاماً ومستشاراً صحفياً بسفارة المغرب بلندن، ليعود سنة 1967 إلى واشنطن مستشاراً ثقافياً، وفي سنة 1971 التحق بالديوان الملكي.
وكان الأديب الراحل أحمد عبد السلام البقالي، الذي يعتبر من رواد روايات الخيال العلمي والقصة البوليسية في المغرب والعالم العربي، عضوا في لجنة جائزة المغرب الكبرى للكتاب، ولجنة الكلمات بالإذاعة الوطنية واتحاد كتاب المغرب، ولجنة تحرير مجلة الثقافة المغربية، ولجنة جائزة أدب الطفل.
وقد شكل عقد الثمانينات من القرن الماضي بالنسبة لأدب الطفل بالمغرب الانطلاقة الحقيقية لرواية الطفل، إذ ظهرت نصوص روائية كثيرة للراحل أحمد عبد السلام البقالي في هذه الفترة كرواية "الأمير والغراب" و"زياد ولصوص البحر" و"سر المجلد الغامض" و"المدخل السري إلى كهف الحمام" و"صابر .. المغفل الماكر" و"الطريق إلى سفينة الكنز" و"جعفر الطيار" و"مدينة الأعماق" و"نادية الصغيرة في فم الوحش" و"جزيرة النوارس" و"رواد المجهول" و"بطل دون أن يدري" و"صبيحة المليحة القبيحة" و"ليلى تصارع الأمواج".
كما خلف أعمالا شعرية هي ديوان "أيامنا الخضراء"، إلى جانب ثلاثة دواوين للأطفال "أناشيد وأغاريد" و"نار المخيم" و"لن تقف المسيرة"، ومسرحية شعرية بعنوان "مصرع الخلخالي".
ومن أعماله الإبداعية، التي ترجمت بعض منها إلى الإسبانية والفرنسية والرومانية والروسية والإنجليزية، "الطوفان الأزرق" و"سأبكي يوم ترجعين" و"رواد المجهول" والسلسلة الذهبية" و"أما ندا وبعدها الموت" وغيرها كثير.
وفي عام 2008 تتحول بعض أفكار رواية البقالي إلى واقع، فقد تم في النرويج تدشين ما يعرف بـ"سفينة نوح" لمملكة النباتات من أجل حماية التنوع النباتي من التغير المناخي والحروب والكوارث الطبيعية وإهمال البشر، حيث سيتم تخزين بذور المحاصيل الزراعية العالمية تحسبا لوقوع كارثة، وقد أقيم هذا القبو المحفور في صخور جليدية في كهف في سفح جبل ناء على بعد نحو ألف كيلومتر من القطب الشمالي، كما أنه محكم الهواء تماما وسيظل في حالة تجمد لمدة مئتي عام وقادر على استيعاب 5.4 مليون عينة من البذور بما يضمن استمرارية الفصائل الرئيسية من الأنواع الزراعية إذا اندثرت من محيطها الطبيعي.