العرب أونلاين- شـادي زريـبي
هو من رواد الرواية والكتابة المسرحية، توفيق الحكيم من الأسماء البارزة في مسار الأدب العربي. كتاباته كان لها الأثر الأعظم في تشكيل شخصية أجيال متعاقبة من الأدباء بفضل ما تركه لنا من إرث أدبي ضخم كان زادا في رحلاتنا الأدبية
ما من شك يظل توفيق الحكيم من أشهر الأدباء الذين اختاروا منهجا مميّزا وخاصّا، شكّل نواة أولى لشجرة نمت وكبرت مع أسماء أخرى سارت على خطاه وأكملت مسيرته.
اشتهر بمسرحياته الخالدة مثل: " أهل الكهف" و"شهرزاد" و"الملك أوديب" و"بجماليون" و"الأيدي الناعمة" و" الحمير" وغيرها من المسرحيات. ومن أعماله أيضا: " شمس النهار" و"عصفور من الشرق" و"مصير صرصار" و"لو عرف الشباب" والعش الهادئ" و"أريد هذا الرجل" و"يقظة الفكر" و"الرباط المقدّس" و"ثورة الشباب" و"تحديات سنة 2000" و"الصفقة" وتحت المصباح الأخضر" و"صاحبة الجلالة" و"السلطان الحائر" و"اشواك السلام" و"رحلة إلى الغد" وغيرها من الأعمال.
سمي تياره المسرحي بالمسرح الذهني لصعوبة تجسيدها في عمل مسرحي. وكان توفيق الحكيم يدرك ذلك جيدا حيث قال في إحدى اللقاءات الصحفية: "إني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة."
ويعدّ الحكيم أول مؤلف يستلهم أعماله المسرحية من موضوعات التراث المصري عبر عصوره المختلفة، سواء أكانت فرعونية أو رومانية أو إسلامية أو قبطية.
وقد اطلع الحكيم على فنون المسرح واكتشف أن الثقافة المسرحية الأوروبية بأكملها أسست على أصول المسرح اليوناني فقام بدراسة المسرح اليوناني القديم كما اطلع على الأساطير والملاحم اليونانية العظيمة.
مزج توفيق الحكيم بين الرمزية والواقعية على نحو فريد يتميز بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض. وأصبح هذا الاتجاه هو الذي تنبني عليه مسرحيات الحكيم بذلك المزاج الخاص والأسلوب المتميز الذي عرف به.
ويتميز الرمز في أدب توفيق الحكيم بالوضوح وعدم المبالغة في الإغلاق أو الإغراق في الغموض؛ ففي أسطورة إيزيس التي استوحاها من كتاب الموتى فإن أشلاء أوزوريس الحية في الأسطورة هي مصر المتقطعة الأوصال التي تنتظر من يوحدها ويجمع أبناءها على هدف واحد.
ويمتاز أسلوب توفيق الحكيم بالدقة والتكثيف الشديد وحشد المعاني والدلالات والقدرة الفائقة علي التصوير، فهو يصف في جمل قليلة ما قد لا يبلغه غيره في صفحات طوال، سواء كان ذلك في رواياته أو مسرحياته. ويعتني الحكيم عناية فائقة بدقة تصوير المشاهد، وحيوية تجسيد الحركة، ووصف الجوانب الشعورية والانفعالات النفسية بعمق وإيحاء شديدين.
وكانت "عودة الروح" نتيجة للشرارة التي أوقدتها الثورة المصرية، وهو في هذه القصة يعمد إلي دمج تاريخ حياته في الطفولة والصبا بتاريخ مصر، فيجمع بين الواقعية والرمزية معا على نحو مغاير جديد.
ولعل من ميزات الحكيم أنه استطاع أن ينقل الواقع المصري بكل تفاصيله بدقة وإتقان فكانت "يوميات نائب في الأرياف" أبرز مثال على ذلك، حتى عدّها بعض النقاد أشبه بالسيرة الذاتية، حتى وقال عنها الكاتب الأنكليزي" نيوباي": " إنها المهزلة الخالدة التى تصوّر فساد الإدارة الحكومية، وعجز النظم الإدارية عن تحقيق العدالة بين جموع الفلاحين".
وكتب عنها "ريمون فرنانديز" "وهو من أصل مكسيكي" إنها صورة حية، ساخرة، قاسية أحيانا لدنيا الريف المصري. وأن هذه الدنيا لتتحرك في صفحات هذا الكتاب في حيوية مدهشة.
وتتجلي مقدرة الحكيم الفنية في قدرته الفائقة على الإبداع وابتكار الشخصيات وتوظيف الأسطورة والتاريخ على نحو يتميز بالبراعة والاتقان، ويكشف عن مهارة تمرّس، وحسن اختيار للقالب الفني الذي يصب فيه إبداعه، سواء في القصة أو المسرحية، بالإضافة إلي تنوع مستويات الحوار لديه بما يناسب كل شخصية من شخصياته، ويتفق مع مستواها الفكري والاجتماعي، وهو ما يشهد بتمكنه ووعيه الكبير عند الكتابة.