عبد المجيد دقنيش
منذ خطواتها الأولى أثرت الفنانة أميمة الخليل التجديف عكس التيار وركوب فلك الالتزام والجدية فكانت بحق عصفورة الحرية التي تحمل معها أنى حطت غصن الزيتون ورائحة الزيزفون ونسيم الفجر وقيم التسامح والمبادىء الثورية.
شدوها يخلع القلب من مكانه وألحانها صرخة في وجه الرداءة وتميمة تخفف عنا تعب الأيام وتقينا من غدر اللئام وتصم أذاننا عن نعيق غربان هذا الزمان وأشباح طيور الظلام. محروسة بالنهاوند والصبا تتقدم محمولة على أكتاف التمايز فقد نضجت بما لا يمحى بريح أو نسيان في مدرسة لا تضاهى تسمى مدرسة مرسال خليفة.
وتشربت أذنها من الينابيع الصافية للموسيقى فيروز ، وديع الصافي،الشيخ امام. ثم استوت على عرش الأغنية البديلة والملتزمة بقضايا الأمة والانسان أنى وجد.هذه هي الفنانة أميمة الخليل التي كان لها جولة مطولة مع رفيق دربها مرسال خليفة في ربوع تونس الثورة فالتقيناها في هذا الحوار الشيق والصريح.
* كيف عشت أجواء جولتك الفنية مع الفنان مرسال خليفة في ربوع تونس الثورة ؟ وكيف وجدت تفاعل الجمهور معك هذه المرة؟هل شعرت أن هناك تغيير في نوعية الجمهور وفي طريقة تقبله للأغاني؟
- أعادتني هذه الجولة للبدايات حيث كنت مع مرسيل والميادين اذهب لأغني للناس المهمشين في مدنهم او قراهم النائية في "سيدي بوزيد" و"الكاف" و"سبيطلة" و"بوقرنين" و.. الخ، عادت لي ذكرى الحماس لنضالنا لحياتنا بقوة لتنعش الأمل لدي الذي كان قد بدأ يختنق فاخذ بالتنفس مجددا، لعلها بداية جولة جديدة في النضال والتعب في مسيرتي التواقة للحياة الاسهل والأحلى.
نوعية الجمهور لم تختلف بالنسبة لي الذي اختلف هو احساس الحرية في التعبير لديه على المدرجات فقد بدا لنا بوضوح سريان هذه الحرية في كيانه.
* أميمة الخليل التي غنت للشهداء وللثورة وناضلت من أجل اعلاء الكلمة الهادفة والأغاني الملتزمة وتبنت مبادئ الدفاع عن قضايا التحرر العادلة،كيف عاشت أصداء الثورة التونسية؟ وكيف تنظر الى هذه الهبة الشعبية التي اشتعلت كالنار في الهشيم في المنطقة العربية؟ عموما هل أنت متفائلة بمستقبل هذه الثوراث العربية المتنامية؟
- الثورات اصبحت حاجة ملحة بعد طريقة الحكم التي كانت تود الاذلال والتهميش والحرمان والاستبداد من قبل الحاكم، بالاضافة لوجود العدو الاسرائيلي الضاغط في حياة المواطن العربي كل ذلك دفعه للانفجار مرة واحدة، المستقبل بحاجة لوعي ومثابرة من قبل الشباب العربي الطامح للتغيير، والدرب الطويل بلا شك ولكن التغيير اصبح حاجة وضرورة.
* هل تعتقدين أن عاصفة الثورة وريحها الصرصر التي تهب سريعا على المنطقة العربية قادرة على كنس كل أشكال الديكتاتورية والاستبداد والظلم المعشش منذ قرون في مخيال الشعوب العربية وفي لاوعيها؟
- الخطوة الاولى نجحت ولكن التالي اصعب برأيي، فالاعياء الموجود متفشي في مجتمعاتنا وهذا طبيعي بعد كل هذا القهر.ولكل ذلك يجب أن يتواصل هذا الاندفاع بزخم ونفس طويل على كل المستويات.
* لا أحد يستطيع أن ينكر اليوم تأثيرات الثورة التونسية على تنامي الوعي الثوري العربي،فكيف ترين تأثيرات هذه الثورة وتداعياتها على المشهد الفلسطيني في الداخل والقضية ككل خاصة بعد المصالحة الأخيرة بين فتح وحماس؟ عموما هل ستخدم هذه الثورات العربية القضية الفلسطينية أم ستضر بها؟وكيف ترين تأثيرات هذه الثورة على الواقع اللبناني؟
- الأنظمة التي تسقط تباعا كانت قد تخلت عن فلسطين منذ زمن بل واقامت علاقات مع عدو فلسطين هذا، والمواطن العربي لم يكن يوما موافقا على هذا الامر بالتالي لنأمل ان يعود هذا التغيير على فلسطين بالخير.
أما لبنان فأرجو أن يأخذ الدرس والعبرة من هذه الثوراث العربية ويجب أن تكون هذه الهبة الشعبية درسا لنا لنخرج من فرقتنا وطوائفنا الى الانتماء الوطني الحقيقي الاوسع.
* يحضر بقوة في أغانيك الجرح الفلسطيني والقضايا العربية عموما فما سر هذه الهموم الوطنية النضالية التي تسكنك؟وألا تخافين أن يحصرك هذا التمشي الايديولوجي السياسي في خانة معينة ويبتعد بك عن الجانب الابداعي الفني؟
- الابداع برأيي مرتبط بالواقع،وبالناس ينطق باسمهم، الابداع ليس للترويح عن نفس المتعبين بل حثهم على مواجهة تعبهم، مقاومته والتغلب عليه.
* حدثينا قليلا عن الأعمال الجديدة التي أنت بصدد تحضيرها ، ومن هم أبرز الشعراء والملحنين الذين ستتعاملين معهم ؟ وهل يمكن أن تتضمن هذه الأعمال أغان وطنية عن الثورة العربية؟
- أنجزت حاليا عملا يحمل عنوان "رسايل" وهو باختصار يحمل بنصوصه وموسيقاه موقفي في كل ما يجري الأن وقد ساعدني على انجازه هاني سبليني، عبود العدي، عصام الحاج علي ، باسل رجوب والنصوص من تأليف محمود درويش و محمد العبد الله وجرفانوس جرفانوس وعبيرو باشا وهاني نديم وزاهي وهبي.
وسيصور هذا العمل قريبا ليتبعه عمل ثان يحمل عنوان "مطر" وهو عبارة عن قراءة سمفونية قصيرة "لانشودة المطر" لبدر شاكر السياب.هذه القراءة قام بكتابتها الدكتور "عبد الله المصري" وهو مؤلف موسيقي لبناني خريج معهد تشايكوفسكي في موسكو.
وقد انجزنا سويا تسجيل هذا العمل في موسكو مع فرقة "The state symphony capella of russia" بقيادة "قاليري بوليانسكي" وبمرافقة عازف البيانو العالمي المفضل لدي "رامي خليفة" والدور بعد "مطر" لعمل من تأليف مرسيل خليفة نفسه اذ أعود وأطل عليكم هذه المرة تحت اشراف مرسيل العزيز وبعد غياب طويل عن التاليف الصوتي.
* تربى جيلنا على أصوات مثل الشيخ امام وأحمد فؤاد نجم ومحمود درويش وأمل دنقل وسميح القاسم ومرسال خليفة وأميمة الخليل، عبرت عن فترة سابقة من الوعي العربي وحملت همومه وايديولوجيته فهل تعتقدين أن الثورة اليوم قادرة على خلق أصواتها الشعرية والابداعية والفنية التي ستؤثر في الأجيال القادمة؟
- طالما هناك حياة تنبض سيكون لدينا موسقيين شباب قبل الثورة وخلالها وبعدها لم لا! كيف سأحكم على أجيال باكملها بالعقم! لماذا؟ لماذا؟ فمقولة "الله خلقوا وكسر القالب" غير مقنعة بالنسبة لي لكل قدرته وموهبته ودوره في هذه الدنيا.
* برأيك هل يمكن للمحبرة وقلم الرصاص والقبرة والزهرة أن تتغلب على السيف والرصاصة والقنبلة والدبابة في هذا العصر المحكوم بالعنف؟
- طبعا لا، فجميع انواع الاسلحة ضرورية في أي صراع وجودي عندما يواجهك عدوك بالرصاص لا بد لك من الرد بالرصاص، المقاومة بالسلاح اثبتت جدواها في لبنان في حرب يوليو/تموز 2006، والثقافة هنا اساس داعم وقوي لهذا السلاح لولا ثقافتنا المتينة والمتجذرة لكنا انتهينا من زمن وزمان فعدونا يسرق الأراضي ويقتل اصحابها كما يسرق باصرار ثقافتنا وموسيقانا. اذن الفنون والثقافة عنصران أساسيان لاستمرار مقاومتنا.
* في حوار سابق معك قلت لي: "أنا محظوظة لأن القدر وضع في طريقي مرسال خليفة"،فهل مازلت مصرة على رأيك هذا؟ وألا تخافين من العيش طوال مسيرتك في جلباب مرسال خليفة الى درجة انتفاء شخصيتك الفنية؟
- أميمة الخليل هي الصوت المرافق لصوت مرسيل خليفة في موسيقاه، اذن مرسيل خليفة اختار هذا الصوت ليشاركه التجربة الفنية وبالتالي ايصالي للمجتمع العربي بالأساس في حين كان يمكن له اختيار أصوات كثيرة اخرى.هو يريد شخصية هذا الصوت الذي ساهم طبعا في صقله وتطوره. شخصيتي الفنية ساهمت في ايصال هذه التجربة وهي في صميم شخصية هذه التجربة، فما حاجتي اذن للتفتيش والعمل على بناء شخصية أخرى!
أنا كصوت شريكة مرسيل في تجربته ومجدها وليس بنيتي التخلي عن كل هذا الزمن الذي اجتهدت فيه لبناء هذه الشخصية التي تعرفونها في الأن
.
* وفي نفس هذا السياق أنت خضت تجربة الغناء بمفردك وأنتجت ألبوما وحيدا ولم تتواصل هذه التجربة، ثم سرعان ما عدت الى الغناء برفقة مرسال خليفة،فهل يمكن اعتبار هذه العودة فشلا ذريعا في رسم مسيرة فنية مستقلة،أم هو حنينا خاصا لرفيق دربك مرسال خليفة؟
- ما ذهبت يوما بعيدا عن مرسيل لأعود للغناء معه، ولم افشل في اعمالي يوما بل ميسرتي في تصاعد طبيعي. أحتفظ دائما بحقي المشروع في انجاز أعمال وأفكار تراودني، وغالبا ما يخذلني الوقت لانجازه مع مارسيل وحده، لا داعي للتمييز صراحة فالكيان الفني بيننا واحد حتى ان لم يصرح به أحدنا يوم على الملأ.
* ظهرت الأغنية الملتزمة في فترة ما بين السبعينات والثمانينات فترة ازدهرت فيها الايديولوجيا وظهرت عدة فرق في العالم العربي مثل الميادين وناس الغيوان وأصحاب الكلمة.
والأن بعد سقوط الايديولوجيا واضمحلال أغلب هذه الفرق هل مازالت الأغنية الملتزمة مطلبا ملحا أولا في مشروع أميمة الخليل ومرسال خليفة؟
- طبعا مطلب الالتزام ملح في ظل الايديولوجيا اوغيابيها. في ظلها هو قاعدة أما في غيابها فهو ضرورة قصوى. تخيل صورة مجتمع خال من ايديولوجياته وقيمه وموسيقاه! كيف سنكون ! كيف سنقول من نحن! كيف سنحافظ على انسانيتنا لنكون أمة على هذا الكوكب!
* لاحظنا في ألحانك الأخيرة هذا التوجه نحو الموسيقى الغربية والتوزيع بطريقة غربية على عكس ما عرفت به تجربتك من دفاعها عن كل ما هو شرقي وأصيل،ألا تخاف أميمة من فقدانها للخصوصية التي عرفت بها خاصة ونحن نرى تهافت وتكالب فناني الموجة السائدة على مزج الموسيقى العربية بالموسيقى الغربية بتعلة التفتح والعالمية وجلب أنواع من الموسيقى الغربية مثل التكنو والهيب هوب والهاوس حتى صارت موسيقانا هجينا من الموسيقات ليس لها أي خصوصية؟
- لست ملحنة سيدي، أنا أعمل مع موسيقيين جادين لكل منهم مخزونه وموهبته في الموسيقى وأن أنهل من عدة منابع لحنية بعدة أمزجة من العالم لها عامل غني بالنسبة لعملي وصوتي، فالحرية في اختيار قالبا موسيقيا للتعبير مطلقة برأيي ولا يحدها تعصب لنوع واحد في الموسيقى أيا كان شكله.
موضوع الخصوصية تحدده طريقة التعبير ومحتواه في أي شكل موسيقي وجد، لا مانع عندي شخصيا في اضافة جماليات على الأصالة الجميلة لدينا لتقريبي من المعاصرة هذا مع عشقي الدائم لموسيقانا الشرقية الخالصة واحترامها.هناك أشكال تعبيرية عديدة على هذه الأرض بالنسبة لي ولا ضير أن أكون على تماس مباشر معها، لا دخل لي بما يقوم به البعض في تشويه او تسخيف لهذه الانواع الكثيرة من الموسيقى.
* بين الصوت الجميل والفكر والقناعات والأخلاق والصورة والتنشئة الفنية كيف تولد الأغنية بين كل هذا المزيج عند أميمة الخليل؟ وفي نفس هذا السياق هل تتدخل هذه الأفكار والقناعات في نجاح مسيرة الفنان أم يكفي الصوت الجميل ليتحقق النجاح؟
- الفن لغة تقرأ الواقع وتترجمه، لغة محببة فيها من الجماليات ما يجعلها أسمى اللغات. لو لم ترتبط الاغنية بقيمة انسانية ثابتة لما عاشت وعرفناها جيل بعد جيل. الحياة توحي بالكثير الكثير وعلي أن أختار من هذا الوحي ما يستهويني لتحسين عيشي ونيل الرضى عن نفسي كمواطنة عربية لها حقوق وعليها واجبات تجاه نفسها واتجاه الأخرين انطلاقا من هذه الثوابت أعمل في الفن بما يتناسب وذاكرتي وتربيتي والقيم التي وصلتني ان في البيت أو من خلال الفنون.
* ونحن نتحدث عن الأفكار والقناعات،برأيك هل يستطيع الفنان العربي اليوم التنصل من البعد الايديولوجي والسياسي في أغانيه خاصة وهو يعيش في بيئة عربية كل ما فيها ينبض باسم الايديولوجيا ويسبح باسم السياسة؟
- غير ممكن، الحقيقة أن لا ترى ولا تسمع ما يدور حولك الأمر صعب جدا أو يمكنك عندها العيش بشخصيتين واحدة للجد واخرى للفرفشة، وظيفتي ليست تحليل السياسة كسياسي وانما موقف من هذه السياسة أقوله في أغنيتي. أنا لا أتغاضى عما يسير حياتي بحجة أني لا أتعاطى السياسة. اذا لم يكن هناك بعد انساني في اغنيتي فما ضرورتها اذن.
* أنت عايشت في لبنان عدة حروب وصراعات فما تأثيرات ذلك عليك نفسيا وخاصة فنيا؟
- الحرب أخذتني الى عالم الكبار، أولا عشت خلالها بحسابات الأكبر فني لا شئ من الطبيعي في يومياتي لمن هم في سني، السفر، التنقل المضني لنثر وجعنا وهمومنا ومقاومتنا عند من لا يعرف من نحن ومن أين نأتي كان أمر برعت بفعله من خلال غنائي في فرقة "الميادين".
وهو أمر أكسبني وعيا مبكرا أو حسا معنى وجودي لكينونتي، منعتني الحرب من رعاية أهلي لي بالشكل الطبيعي لاضطراري الاقامة غالبا حيث يتواجد مرسيل وذلك بسبب الأوضاع الأمنية الغير مستقرة وأنا عضو أساسي في فرقة الميادين. قد أضطر للسفر فجأة بهدف الغناء في أمكنة محلية او خارجية.
* نحن نعلم أن المبدع والفنان دائما يتمتع بحساسية خاصة ولديه رؤية خاصة للواقع والكون والحياة،فماهي رسالة الفنان حسب اعتقادك في هذا الكون؟ وما الذي يفرقها عن عمل السياسي مثلا؟ هل هي رسالة عابرة للأحاسيس والقلوب؟
الفن والسياسة لا بد وأن يتكاملا في رسالة واحدة. لا نستطيع أن نحدد حياة بالسياسة فقط أو بالفن فقط .
الأخلاق واحدة في السياسة وفي الفن، القيم ثابتة في الاثنين معا، لكل مكانه لكل وقته نعم، لكل أدواته نعم، أما الهدف فواحدا دائما وهو: من نحن؟ وكيف نحيا؟ الهدف انسان يستحق بجدارة هذه الصفة.
* تتميز بعض أغانيك بالنفس الحالم الرومنسي في هذا الزمن المادي المتصلب، ألا يعتبر ذلك تناقضا كبيرا؟ فهل هو التحدي للواقع أم ماذا؟
- طبعا تحدي، مهما توحّش المشهد حولي من يستطيع تجريدي من صفة خلقت معي، ومعك ومعنا! من له الحق في فرض رؤيته للدنيا علي وتفضيلها على رؤيتي ؟ من يستطيع تحديد الوقت المناسب أعيش بالطريقة التي أريدها! لا أحد يستطيع عمل ذلك غيري انا.
هذا الواقع العربي المحفز على انتاج الأغاني الملتزمة خاصة بعد تنامي الثورات العربية ،فهل تعتقدين أنه مازال للفن الملتزم اليوم مكان وحضور لدى ذائقة المتقبل العربي التي لوتثها الصورة المبتذلة وكليبات غرف النوم؟
- حاضر بقوة هذا ما تاكدنا منه جميعا في جولة تونس... لا مانع من فن التسلية والمرح والترفيه ، لكن للجد وقت نحترمه جميعنا يرتقي بنا لمراتب نتوق اليها في انسانيتنا.
* كيف تعرف الفنانة أميمة الخليل الالتزام وتفهمه؟
-الالتزام بالنسبة لي طريقة عيش متكاملة من علاقات عامة من ظهور على الملأ، من تعاطي مع الناس، من اختيار كيفية تأديتي لدوري في مجتمعي العربي. انطلاقا من هذه الثوابت سيكون عملي ملتزما حكما في كل خطوة حتى وان لم تكن اغنيتي مضمونها الأرض. أو الوطن. طريقة تفكيري ملتزمة بانسانيتي بمحض بحرية هذا التفكير، اذن عملي سيأتي ملتزما.
* يقول ابن خلدون:" ان أول مظاهر انحدار حضارة ما هو انحدار أغانيها" فهل يعود هذا التراجع الفني الموسيقي الكبير الذي نعيشه اليوم في العالم العربي الى أزمة حضارية كاملة؟
- العولمة فتحت كل الامور على وسع مداها وهو ما جعل المشهد الثقافي على الكوكب مكتظ لدرجة تفوق استيعابنا هذا لا يعني طبعا أن الفن تراجع بل هو يتخبط بين تلبية حاجات الاستهلاك، الشهرة، والموقف الهادف، والفن بشكل عام مرتبط بالسياسة ينهض بنجاحها ويخفت بكبوتها.
في هذه الحال من يعمل جديا على الفن الهادف غالبا ما يكون وحيدا واحتمال شهرته او انتشار اعماله ضئيل جدا. الامكانات والمواهب كثيرة ولكن القدرات للانجاز تكاد تكون معدومة، ليكون للفن نهضة لا بد من وجود الارادة لهذه النهضة عند الدول وليس الافراد، وجودنا في أزمة فالفن اذن خافت بالاجمال.
* بين ارجاع حالة التدهور الفني الى الشركات التجارية التي غايتها الربح،وبين القاء جزء من المسؤولية على الفنان نفسه،من يتحمل تبعة هذه الأوضاع الخطيرة التي وصلنا اليها؟
- الكل مسؤول الشركات واصحاب رؤؤس الاموال لا يتعاطون مع الفنون عامة بالاهمية المطلوبة والجدية المطلوبة وهذا سؤال جوهري. الفنان يستسهل ويستهين بدوره تلبية لحاجات السوق فيختار الطريق الأقل تعبا والأكثر ربحا وشهرة. المسؤولية مشتركة، والمطلوب حسم خياراتنا المصلحة المستقبل وهويته.
* بين البعد التثقيفي التوعوي والبعد الترفيهي للفن،ماهي الوصفة السحرية التي استعملتها أميمة الخليل خلال مسيرتها الطويلة لتحقيق هذه المعادلة الصعبة؟
-الفن برأيي مسل وممتع بجديته، لا حاجة مطلقا لتفريغ الفن من مضمونه وقيمته المحرضة على الجمال والتفكير به لنتسلى به فقط. التسلية مطلوبة اكيد كما الجد، الاحترام للمتلقي والحرفية في الفن تحكم هاتين الصفتين أي "الجد والمتعة". هذه هي وصفتي ولا اعتبرها سحرية.
* لو كان بامكانك بقليل من السحر أن تتحولي الى ألة موسيقية،أي ألة تحبين أن تكوني؟ ولماذا؟
- "Hautbois" الـ"ابووا" لصوته الشجي المتغلغل في الكيان باعثا احاسيس انسانية بالغة الكثافة في شحنة محرضة على التفكير والحب والبكاء والمرح.
* أنت نجحت في غناء الكثير من القصائد وحببت الجمهور فيها فما السر في ذلك؟ وكيف تختارين القصائد التي تغنينها وتتعاملين مع الكلمات؟
- ارتباطها بقضايانا ربما؟ لا أدري لكن المواطن العربي في بحث دؤوب عما يرده الى قيمته ويرفع من معنوياته يتشبث بهذه القصائد التي فيها جواب ربما لأسئلته أو لحاجته وبالتالي بهذه القصائد التي فيها جواب ربما لأسئلته او لحاجته، وبالتالي هي تلبي هذه الحاجة هذا تحليلي الخاص. ومن هذا المنظار اختار قصائدي اذ يكون فيها معاني، انا بحاجة لها في حياتي تقربني من حقيقتي ومن انسانيتي.
* غناء القصائد يحيلنا الى الذائقة الأدبية والقراءة،فلمن تقرأ الفنانة أميمة الخليل لابن زيدون أم لنزار قباني أم لقارسيا لوركا أم للمتنبي أم للشابي أم لأحمد شوقي أم لمحمود درويش؟
- درويش، جوزف حرب، الياس لحود، محمد العبد الله، هاني نديم، نزال الهندي، بدر شاكر السياب واسماء كثيرة اخرى حتى في الرواية العربية والعالمية.
* والاستماع لمن تستمعين ومن يطربك في الساحة الفنية اليوم؟
- أسمع ما يريحني ويهدأ اضطرابي والخيارات كثيرة أولها موسيقى مرسيل الخالصة. عبد الباسط عبد الصمد لتلاوة القرأن، فيروز، زياد رحباني، ام كلثوم، اسمهان، سونيا مبارك، سيلين ديون، والعديد العديد.
* السينما والدراما ما هي مكانتهما عندك؟ وهل وصلتك بعض الاقتراحات لبعض المشاريع السينمائية أو الدرامية؟عموما كيف تنظرين الى بعض الأعمال الدرامية التي تتناول سيرة الفنانين والمبدعين على غرار مثلا مسلسل اسمهان وام كلثوم ونزار قباني؟
- السينما جميلة ورائعة برسائلها الواضحة على المستوى الانساني ان للكبار او للصغار مثل ابني ندي. بديعة بدراميتها الملاصقة للنفس البشرية، ممتعة بجمالية تقنياتها وصناعتها.بالنسبة للتمثيل لم اتلق عروضا للعب شخصيات فنية بل عروضا لتسجيل أعمال احدى هذه الشخصيات.
أما قيمة الدراما في أصوات الفنانين فهي بالنسبة الي أقوى وأكثف من السير المتلفزة التي شاهدناها وهنا ربما الغموض مطلوب دائما في مواكبة هذه الشخصيات أو تلك فهو يضفي فضول لذيذ يجعلك في حالة السؤال دوما عن سر هذه الشخصية وهو ما يزيد في سحرها وتالقها في النفس.
* برأيك هل قدمت الفضائيات الغنائية العربية المختصة الاضافة المطلوبة للأغنية العربية وساهمت في رسم صورة جيدة عن الفن والثقافة العربية لدى الأخر؟
- للفضائيات هموم اخرى لا تمت للثقافة بصلة: سرد اخبار؟ طيب. برامج سياسية؟ عال؟ تحليلات ؟ ماشي. رياضة؟ تسلية؟ اين الفنون؟! أين الثقافة؟ المطلوب الانتاج الثقافي وليس فقط بثه اذا وجد! الثقافة أولوية برأيي ولا شئ سيغير فينا فعليا غيرها خصوصا أننا نملك فضائيات ولدينا العديد من روؤس الاموال.
* في هذا العصر المعولم الذي يحكمه صراع الحضارات والثقافات،الى أي مدى تستطيع الموسيقى والفن والثقافة عموما المساهمة في الحوار بين الثقافات والحضارات ونزع فتيل التوتر بين الشعوب وضخ دماء الحوار بطريقة حضارية في هذا الكون؟ الفنان العربي اليوم هل هو قادر على لعب هذا الدور الخطير؟
- أن نتعارف من خلال الموسيقى لأمر عظيم، اللغة الواحدة تقرب البشر من بعضهم البعض وتصهرهم في ورشة واحدة تقوم لهدف واحد بدل أن ننغمس في لغات أخرى عقيمة وفيها الكثير من الهدر للوقت، للطاقة، للحياة.
لكل خصوصيته وخلفيته وعند اجتماعنا نتوحد لصوغ لغة واحدة تختزل كل خصوصياتنا وخلفياتنا هي لغة الموسيقى أو لغة الفنون