بالشروع في إعداد مشروع قانون مالية السنة القادمة، تكون ساعة الحقيقة قد دقت بالنسبة للفريق الحكومي لعبد الإله ابن كيران. فسواء تعلق الأمر بصندوق المقاصة، التشغيل، الاستثمارات العمومية، رفع الطلب الداخلي، تحسين تنافسية المقاولات المغربية، استقطاب الاستثمارات الخارجية وغيرها من الملفات الحارقة الأخرى، فهذه مجتمعة ستمثل تحديا صعبا بالنسبة للحكومة مع الدخول الدخول السياسي والاجتماعي الحالي، واختبارا سيبين بالملموس مدى التزام الحكومة بالوفاء بوعودها وترجمتها إلى أرقام واقعية، تستجيب لانتظارات عموم المغاربة.لكن وأمام محدودية المداخيل، لم يجد عبد عبد الإله ابن كيران بدا من التشديد على مهندسي مشروع قانون المالية بضرورة التحكم في النفقات وترشيدها.
قانون تحت رحمة تقلبات المناخ و الأسواق العالمية
مشروع قانون المالية القادم، سيكون مائة في المائة من توقيع الحكومة التي تقودها العدالة والتنمية وذلك عكس السنة الحالية، حيث لم تجد حكومة ابن كيران بدا من استنساخ مشروع القانون الذي قامت بإعداده الحكومة السابقة لعباس الفاسي، مع إجراء بعض الرتوشات، فإن مشروع السنة القادمة يحمل من ألفه إلى يائه بصمات كل من وزير الاقتصاد والمالية نزار البركة وإدريس الأزمي المنتدب لديه المكلف بالميزانية، وهو الأمر الذي سيمثل تحديا مزدوجا أولا لأنه أول مشروع خالص للحكومة وثانيا لأنه يتم في ظرف اقتصادية جد صعبة على المستوى الداخلي والخارجي، هذا دون الحديث عن الانتظارات الكبرى للمغاربة والتي باتت أكثر تطلبا وإلحاحا، كما تجلى ذلك عبر الاحتجاجات المتزايدة للعديد من القطاعات، منذ قدوم الحكومة الحالية، هذا دون الحديث عن الوعود الكثيرة التي أطلقتها في برنامجها، وهو ماسيطرح اختبار حقيقيا أمامها، بسبب صعوبة الظرفية المتسمة بتناقص المداخيل وارتفاع النفقات إلى مستويات بات من الصعب التحكم فيها.
إلى حد الآن مازال مشروع القانون مجرد خطوط عريضة، على الأقل بالاستناد إلى الرسالة الإطار التي أرسلها رئيس الحكومة إلى وزارة الاقتصاد المالية، حرص فيها على الدعوة على إعداد المشروع في الآجال القانونية، هذا في الوقت الذي شرعت المصالح المختصة بالوزارة منذ مدة على الاشتغال على الجانب التقني لمشروع القانون وذلك بالتزامن مع إعداد مختلف القطاعات الوزارية على إعداد تصورها وكذلك حاجياتها على مستوى التسيير و التجهييز والاستثمار، حيث من المنتظر أن تقوم بداية من اليوم بإرسال تقاريرها إلى وزارة المالية.
في انتظار ذلك، تبقى الظروف التي يقوم فيها فريق نزار البركة بإعداد مشروع القانون من أصعب الظروف التي قد تواجهها حكومة ما، حسب المراقبين، حيث اعتبر أحدهم أنه لايبالغ عندما يشبه الظرفية الحالية بماعاشه المغرب بداية الثمانييات، عندما التجأ إلى تطبيق سياسة التقويم الهيكلي للخروج من النفق الذي كان يعيشه الاقتصاد المغربي آنذاك، بل قد تكون أشد الآن، بالنظر إلى الظرفية الصعبة التي تعيشها الدول الأوربية. فالحكومة الحالية تجد اليوم نفسها أمام معادلة عصية على الحل، تتمثل في تراجع مداخيل الدولة وازدياد النفقات بارتباط مع ارتفاع تكاليف صندوق المقاصة الذي تم استنزافه، نتيجة تحليق أسعار النفط والغذاء إلى مستويات عالية لم يعد بالإمكان مجارتها، وهو الأمر الذي اضطر الحكومة في النهاية إلى رفع أسعار المحروقات.
بالتأكيد هو إكراه لايد للحكومة فيه لأنه نتيجة اعتبارات خارجية تتعلق بمزاجية الأسواق الدولية للنفط والغذاء، لكن ذلك، يقلص هامش تحرك الحكومة، المطوقة بعدة ملفات كما هو الشأن بالنسبة لضرورة ضمان استمرار الاستثمارات العمومية كآلية لرفع الطلب الداخلي وخلق مناصب الشغل، وهو ما يضع الحكومة في نهاية المطاف بين المطرقة والسندان، فلاهي قادرة على المضي في تمويل صندوق المقاصة ولاهي قادرة على تحويل مخصصات الاستثمارات العمومية إلى تأمين حاجيات النفط والغذاء، هذا في الوقت الذي يتعين عليها في نفس الوقت الإيفاء بمتطلبات الحوار الاجتماعي، بالإضافة إلى الاستحقاقات الأخرى المتعلقة بتوفير الخدمات المختلفة في مجالات التعليم والصحة والسكن، ليبقى الخيار الوحيد هو الاستدانة من الخارج، كما رجح ذلك عبد الخالف التوهامي أستاذ الاقتصاد بمعهد الإحصاء والاقتصاد التطبيقي في حوار مع «الأحداث المغربية»، منشور بهذه الصفحة.
بل حتى رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران يقر في رسالته الإطار، أن إعداد مشروع قانون مالية هذه السنة يتم في ظرفية صعبة، اتسمت على المستوى الوطني بضعف المحصول الزراعي وعلى المستوى الدولي بتراجع الحاد للاقتصاد العالمي، الأمر الذي كان له آثار سلبية على معدل النمو.
بالعودة إلى مشروع قانون السنة القادمة، يتبين من خلال المحاور الثلاثة للرسالة الإطار، أن الحكومة سيكون لها توجها اجتماعيا، خلال السنة القادمة، بعد أن وضع رئيس الحكومة على رأس أولوياته تقليص الفوارق الاجتماعية وبالخصوص القيام بمبادرات نحو العالم القروي، وذلك بالموازاة مع إعطاء دفعة جديدة لقطاعات أخرى نظير التعليم والصحة والعدالة.
لكن أمام محدودية المداخيل، لم يجد عبد الإله ابن كيران بدا من التشديد على مهندسي مشروع قانون المالية ضرورة التحكم في النفقات وترشيدها، لتقليص عجز الميزانية والاستعادة التدريجية للتوازنات الماكرو اقتصادية، في الوقت الذي بات من الضروري الإسراع بإعادة هيلكة صندوق المقاصة وإصلاح نظام الصفقات و منظومة التقاعد، يدعو رئيس الحكومة، متمنيا في نفس الوقت على القطاعات الحكومة العمل على تقوية تنافسية الاقتصاد الوطني عبرتشجيع المقاولة المغربية وكذلك الاستثمارات العمومية لخلف فرض الشغل. تلك هي الآمال في خطوطها العريضة لأول مشروع قانون مالية من توقيع حكومة ما بعد الدستور الجديد، فهل تسعف الظرفية في تحقيقها؟
أحمد بلحميدي