مغاربة ونفتخر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 السؤال الديني والممارسة السياسية في المغرب الحديث ( 1/1 )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المرضي

المرضي


عدد المساهمات : 264
تاريخ التسجيل : 26/01/2012

السؤال الديني والممارسة السياسية في المغرب الحديث ( 1/1 ) Empty
مُساهمةموضوع: السؤال الديني والممارسة السياسية في المغرب الحديث ( 1/1 )   السؤال الديني والممارسة السياسية في المغرب الحديث ( 1/1 ) I_icon_minitimeالخميس أغسطس 30, 2012 12:38 am

د.محمد العمري


]قُدمت الأفكار الرئيسية لهذا المقال، في المقر المركزي للاتحاد الاشتراكي بالرباط يوم 26 يوليوز 2012، في إطار عمل اللجنة الثقافية والإعلامية للمؤتمر التاسع. المقال اجتهاد شخصي، ومساهمة في النقاش، نتمنى أن يثير نقاشا يُعدله ويُقومه: محمد العمري].

هناك، على العموم، مدخلان لمعالجة العلاقة بين الدين والسياسة: مدخل فلسفي، ومدخل تداولي إنجازي يتعلق بالممارسة السياسية. المدخلان مترابطان يوصل أحدهما إلى الآخر ولا يستغني عنه. ومع أن الذي يهمنا في هذه المناسبة هو الممارسة السياسية فلا بد أولا من الإجابة عن بعض الأسئلة العامة المبدئية التي يطرحها النظر الفلسفي للموضوع.

1ــ النظر الفلسفي

يتجه النظر الفلسفي في هذا المجال إلى الجواهر والعلاقات: يحدد ماهية الدين، وماهية السياسة، من أجل تبيُّن مدى التداخل والتخارج بينهما. ينتهي النظر الفلسفي عامة إلى أن الدين يقوم على نسق مكتمل1 مطلق ومتعالٍ، (وأنه لا يعتبر الحياة الاجتماعية غاية في ذاتها)، أما السياسة فتقوم على توافق بشري في تدبير شؤون "الاجتماع" كموضوع وغاية، تَوافُقٍ قوامُه النسبيةُ والاحتمالُ والترجيح.

وعلى أساس هذا التوصيف يُطرح السؤال التالي: هل هذا الاختلاف (بين المطلق والنسبي) يَسْتَتْبِعُ القطيعةَ بين الدين والسياسة، أم أن هناك إمكانية للتواصل بينهما؛ دون أن يُفسِد أحدهما طبيعة الآخر؟

كيف يُمكن الجمعُ، وبأية صيغةٍ، بين المطلق الديني (ومن مقتضياته التقديس والتسليم والعبودية لله).، وبين النسبي السياسي الذي يقوم على التوافق والترجيح، ويستتبع المحاسبة.

عند قبول طرح هذا السؤال ومحاولة الجواب عنه يبدأ التداول في معنى الإطلاق الديني والنسبية السياسية، وصولا إلى تشقيقهما، من خلال عدة استراتيجيات تبدأ بالتفريق بين الديني والدنيوي، بين الغيبي والعلماني...الخ

وهنا يُستفتى التاريخ، فالمسألة تهم الإنسان واختياراته وكفاءاته الظاهرة والكامنة، وحاجياته المختلفة التي تبرز من حين لآخر أو تتواتر عبر التاريخ. التاريخ يقدم الشواهد الكافية للتقليل من غلواء هذا الطرف أو ذاك. وبذلك يبقى جواب المتطرفين، من الدينيين والعلمانيين، بأن "الدين هو السياسة" و"الدين مجرد سياسة" خارجَ دائرة الاعتبار والتأمل الفلسفي، لأنه جواب قطعي بسيط، وموضوع الفلسفة هو السؤال والاستشكال.

في هذا الإطار جاءت مجموعة من الاجتهادات التوفيقية والتلفيقية في القديم والحديث، أجرأُها في المجال العربي تلك التي صاغها الشيخ علي عبد الرازق في نهاية الربع الأول من القرن العشرين، في كتاب صغير الحجم، عظيم الأثر والفعل. وهو: الإسلام وأصول الحكم. جاء هذا الكتيب/البيان بعد إلغاء أتاتورك لمنصب الخلافة الإسلامية، وتأهب الكثير من الحكام العرب لاحتلال هذا المنصب، منهم ملك مصر فؤاد. لقد حوكم على عبد الرازق من طرف زملائه وشيوخه، فشطب على اسمه من لائحة هيئة العلماء. وخلاصة كلام عبد الرازق أن الإسلام لم يعين نظاما للحكم، وأن الخلافة والملك أساءَتا إلى الإسلام. ومن ذلك الوقت إلى الآن والإجراءات تتضارب بين الاتصال والانفصال.

ويقدمُ موقف كل من المرحوم محمد عابد الجابري وحسن حنفي إمكانية للحوار من داخل النسق، لكونه قائما على التفريق بين المقاصد الثابتة والإجراءات المتحولة. فهو يحقق الهدف الديمقراطي المدني مدعوما باجتهادات فقهية أصولية، واجتهادات عقلانية داخل الفكر الإسلامي نفسه. كما تدعمه سيرورة التاريخ2.

من السهل فلسفيا أن نقيس ما لله على ما للملك، (باعتبار ما كان من صفة التقديس، وما لم يغادره الإمكان). فنحن نطالب بالملكية البرلمانية كمطلب استراتيجي، حيث الملك يسود ولا يحكم حتى لا يتعرض للمساءلة في شأن نسبي متحرك مفتوح على كل الاحتمالات.. يمكن أن نقول بأن الهدف الاستراتيجي في ضبط علاقة الدين بالسياسة هو ما قاله أردوكان: أنا متدين والدولة علمانية، تقف على مسافة واحدة من كل الأديان. والعلمانية التي نقصدها هي التي تحترم حرية العقيدة، بل تضمنها وتسهل ممارستها، في إطار القانون العام الذي يمتد في المبادئ الكونية لحقوق الإنسان.

ونحن بهذا لا نأتي بجديد، بل نسير في المسار التحرري العام الذي سارت فيه الدعوة الإسلامية، وزكته حركة التاريخ التي حرمت الرق والعقوبات الجسدية وصولا إلى جعل الكرامة الإنسانية أساسا للعهود الدولية.

هذا النظر الفلسفي مهم جدا، لا غنى عنه، ولكنه ليس المدخل الذي يفيد في ممارسة السياسة في الزمان والمكان المحددين، بل لا بد من أن نأتيه من مدخل آـخر، هو مدخل الممارسة والتاريخ، المدخل العملي التداولي الحجاجي، وهو ما يصلح وضعه تحت العنوان الذي اخترناه لهذه المداخلة: الدين والممارسة السياسية في المغرب الحديث.

(يبدو لي أن الحزباويين (أعني المعادين للثقافة السياسية والمثقفين، وهم موجودون بكثرة في أحزابنا) أشبهَ بالملاكمين الهواة الذين يراهنون على الموهبة والحمية، فلا يدركون مزية الاحتراف إلا حين تغطي الكدمات وجوههم فوق الحلبة أمام المتفرجين، وحلبة السياسة، في نهاية المطاف، هي صناديق الاقتراع).

2ــ الممارسة السياسية

راهنية السؤال

من الأكيد أن اليساريين الديمقراطيين في المغرب (وتونس ، وفي مصر أيضا) قد أحسوا بكثير من الغبن حين رأوا الأحزاب الأصولية تأخذ قدرا من تزكية صناديق الاقتراع (سمي اكتساحا، وهو كذلك في تشريعيات مصر) رغم أن تلك الأحزاب لم تشارك أصلا في الحراك الديمقراطي العربي (المغرب)، أو كانت مشاركتها محدودة (تونس)، أو شاركت فيه متأخرة، بعد الاطمئنان إلى مساره، كما وقع في مصر. يضاف إلى ذلك أن سقف مطالب بعض هذه الأحزاب ـــ وهذه حالة المغرب ـــ كان دون مطالب اليسار التاريخي بكثير، تلك المطالب التي لَخَّصها اليسار في "الملكية البرلمانية". ولذلك سمعنا عبارات من قبيل القرصنة وسرقة الثورة...الخ.

من السهل تبرير هذا الإحساس، في حالة المغرب، بالتضحيات الجسام التي بذلها اليسار وحده في مقارعة النظام المخزني على مدى نصف قرن، وليس من العسير أيضا فهم لماذا وقع هذا النكوص (خاصة بين 2002 و2012)، ولكن الأهمَّ حاليا من كل ذلك هو فهم الواقع الجديد والاستعداد للتعامل معه تعاملا علميا مفيدا، ما أمكن. (ستأتي، بعد ذلك، تطورات تكبح جماح الأصوليين سنعود إليها، ولكننا نتساءل أولا ماذا وقع، وكيف أمكن أن يقع؟ هل هناك خلل، أو فراغ في الثقافة السياسية لليسار تسمح بنكوص يجعل الخطاب الأصولي مهيمنا؟ لا بد من استفتاء التاريخ)

من المعلوم أن صراع اليسار الديمقراطي في المغرب، ممثلا في الاتحاد الاشتراكي، انتقل أواسط السبعينيات، من مطلب ضبط الشرعية وقواعد اللعبة (دستور يضمن سيادة الشعب) إلى تجريب المشاركة ضمن الشروط القائمة. وبذلك صار الوصولُ إلى المواطنين ــ مَجرَّدُ الوصولِ ــ عن طريق صناديق الاقتراع الشغلَ الشاغلَ للحزب. وكان المخزن يمانع عن طريق التزوير بشتى صوره وأشكاله، بما في ذلك صناعة الأحزاب. وفي خضم هذا الصراع، حولَ الشكل، توقف الاهتمام بالجوهر، بما يجري في القاعدة الجماهيرية من تغير في الثقافة السياسية، تجلى ذلك في أمرين:

1ــ تحوَّلُ الدينِ من ممارسة تعبدية مشتركة (تدبُّرا أو تقليدا) إلى ورقة انتخابية مؤثرة،

2ـــ تحوَّل المحاوَرِ في الشؤون الدينية من أن يكون طرفا داخل الوطن (في نسيجه العتيق والمخزني) إلى طرف له امتداد في أنظمة سياسية/دينية مهيكلة ومدعومة عالميا تعادي كل ما هو حديث.

تحولت سلفية المختار السوسي وعلال الفاسي إلى سلفية "خارجية" برأسين: قاعدي معبِّئ، وجهادي مقاتل، في حين استمرت الفصائل المتفرعة عن الشبيبة الإسلاميين في استلهام البرنامج العالمي للإخوان المسلمين والاستفادة من ذراعه الإعلامي الجبار، مع إمكانيات لوجيستيكية لا تخطئها العين. كل هذا أضيف إلى النبتة المحلية، الرسمية والمعارضة: نبتة الصوفية السياسية.

وكما ظل الشيعة طوال التاريخ، وإلى اليوم، يلعنون معاوية وابنه يزيد بسبب هزيمة الحسين بن علي، فمازال الإخوان المسلمون يلعنون جمال عبد الناصر ويصرون على نبش قبره بعد أن فشلوا في قتله وهو يخطب في الإسكندرية. ومازال القرضاوي وأخرون يرددون مقدمة كتاب معالم في الطريق المؤذنة بخراب العالم وقيادة الإسلاميين القادمة لإنقاذه.

في هذا السياق التعبوي الكوني جاء إصرار حزب العدالة والتنمية (مع ذراعه الدعوي والنقابي)، عند وضع الدستور الجديد، على تسجيل لفظ "إسلامي" صفة للدولة المغربية (وهي الصفة التي تتميز بها التنظيمات السياسية الأصولية)، ولإزاحة لفظ "مسلم" صفة للمغرب لأنها صفة تصدق على جميع المؤمنين برسالة النبي محمد (ص). وقد دل حال جمود اليساريين وقتَها على أنهم لم يفهموا شيئا. (وربما جاز اليوم طرح السؤال الذي طرحته الحركة الماركسية في أواخر ألستينيات، أي غياب الرؤية الإستراتيجية والاكتفاء بـ"تصريف الأعمال": "حتى نْوَصْلوا عادْ نْفَكْروا آشْ نْعَمْلُوا"؛ والحال أن الوصول صار مشكلا أيضا في حد ذاته، صار مرهونا بنشر ثقافة جديدة، تحملها وجوه جديدة غير مستهلكة).
وهكذا أصبحنا، بعد الانتخابات الماضية، أمام إشكالية جديدة، فالديني (أي المكون) الذي كان مجرد ورقة احتياطية لدى المخزن، يلعبها في لحظات استثنائية لوقف عمل الدستور، فتنكشف عيوبه أمام العالم، صار اليوم ورقة انتخابية مشروعة...

ذلك أنه رغم أن الدستور يمنع تأسيس أحزاب على أساس ديني فإننا اليوم أمام إشكال وجود حزب يُنعت علنا بـ"الحزب الإسلامي"، ويرسل كل الإشارات التي تَطلبُ من الناخب المرتقب تمييزه والتصويت عليه على هذا الأساس. وما قصة الصومعة، التي أدت إلى إلغاء أهلية بعض برلمانيي حزب العدالة والتنمية، إلا واحدة من تلك الرموز والإشارات المستمرة خطابيا.

نحن الآن أمام صيغتين "إسلاميتين": "إسلامية" إمارة المؤمنين؛ المؤسسة العتيقة التي تشرف عليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، هذه المؤسسة التي يحاول المغاربة التوافق ضمنها، وداخلها، على سقف يسمح لهم بأن يصلوا جنبا لجنب يوم الجمعة والأعياد، على أقل تقدير،(لمن رغب في ذلك مقتنعا أو تابعا)، وإ"سلامية" الحزب الذي يقود الحكومة، ضمن تصور عالمي للإخوان المسلمين يرى أن هذا القدرَ المتوافقَ عليه غير كاف. ويعتبر حصولَه على بضعة أصوات زائدة تفويضا يسمح له بفرض تصوره للدين، ودوره في الحياة!

ومع أن الأحزاب المنضوية في خطة الإخوان المسلمين تحاول، ما أمكن، ضبط خطواتها، والسير خطوة خطوة، فإن حلفاءه من السلفيين مستعجلون، يساومون على الزمن أيضا، فقَعَدَتُهم يطالبون بـ"نشر الإسلام في المغرب"، والنافرون للجهاد يطالبون بتطبيق ما يسمونه "شرع الله". وشرع الله، عند السلفيين الجدد، هو ضرب أعناق أعداء الله الاشتراكيين العلمانيين الحداثيين الكفرة الذين يتكتلون في اليسار3.

و "الإشارات" الخجولة التي أرسها حزب العدالة والتنمية في اتجاه حلفائه الدينيين، في فترة الحماس الأولى، أثارت عليه ردود فعل حلفائه الحكوميين (ولا أقول السياسيين) قبل أن تثير ردود فعل اليسار. ومن ذلك الموقف من إشهار اليانصيب، ومواد دينية في دفتر تحملات الإعلام. كما أثار استعمال الخطاب الديني احتجاجات في البرلمان وفي البرامج التلفزبونية (من قبيل "الأرزاق عند الله"، والدعاء للمعطلين...). وبالمناسبة فعبارة "الأرزاق بيد الله" هي نفسها العبارة التي يصرف الناس بها المتسولين: "الله يسهل"! أما أهم خطوة خطاها في اتجاه المتطرفين وصمد فيها، لأنها خط أحمر عندهم، فهي تهميش المرأة وعزلها تمهيدا لبرنامج الفصل بين الجنسين الذي سيشرعون فيه بكل تأكيد، بمجرد إحساسهم ببعض الاطمئنان، ابتداء من الشواطئ . ولكن هيهات! "اللي فراس الجمل في راس الجمالة".

يكمن مشكل اليسار، بكل فئاته وألوانه، في غياب الثقافة السياسية الملائمة للحظة الحالية، والدخول في تآكل داخلي (مقال بن على، ومحمد الناجي وطريقة الرد عليهما). العطب موجود في حلقة الربط بين عمل العلماء وحاجيات المناضلين وجمهور المواطنين الناخبين. المرحلة الحالية هي مرحلة وضع العلاقة بين الدين والسياسة في نصابها معرفيا دعما للمعارضة الميدانية التي يمارسها المناضلون مجردين من السلاح الثقافي أحيانا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السؤال الديني والممارسة السياسية في المغرب الحديث ( 1/1 )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» السؤال الديني والممارسة السياسية في المغرب الحديث ( 1/2 )
» مَن يقود مَن في المغرب اليوم: سؤال الثقافة أم ثقافة السؤال
» المكون الديني والتغيير الثقافي
» الشعب المغربي يستحضر باعتزاز منجزات باني المغرب الحديث
» جوانب من تاريخ المغرب : المعرفة العلمية في خدمة السلطة السياسية (3)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مغاربة ونفتخر :: . :: بـوابــة ديــــن وفلسفــــة-
انتقل الى: