بعـد خـطاب أوباما للمسلمـين هـل أمـريكا حسمـت المـوقف ؟
عبد الرحمن القاسمي
مما لاشك فيه أن المتتبع للتحولات العميقة التي تعيش عليها شعوب شمال أفريقا والشرق الأوسط ،يلاحظ ذلك التخبط والتذبذب الأمريكي في اتخاذ مواقف حاسمة تجاه تلك التطورات التي أفضت إلى نجاح ثورة تونس ومصر(على الأقل في تغيير أنظمة الحكم). فالولايات المتحدة الأمريكية لم تخف صدمتها من سرعة انهيار نظام الرئيس التونسي بن على والرئيس المصري حسني مبارك الذي كان من أكبر أنظمة العالم العربي موالاة لها؛ إذ قدم لها الكثير من الخدمات إن على مستوى القضية الفلسطينية أو العراق وحتى أفغانستان. من هنا كان موقف الإدارة الأمريكية متأرجح في بداية الثورة بين الاستجابة لمطالب الثوار بشأن الإصلاح وبين موافقتها على جدية الخطوات التي اتخذها حسني مبارك في هذا الاتجاه قبل تنحيه.
أما في ليبيا فالمشهد كان أكثر مأسوية حيث التزمت واشنطن الصمت لفترة معينة على ما يجري, لتخرج بعد ذلك بتصريحات محتشمة تعبر عن قلقها بعد أن عم الخراب والدمار ليبيا بفعل ما صنعته أيادي من اعتبر نفسه "مجد ليبيا" بل "مجد العالم" الذي يجب ألا يفرط فيه؛فقررت إرسال قطع حربية إلى البحر الأبيض وهو وضع إن دل على شيء فإنما يدل على أن تفكيرها ينصب على حماية مصالحها وتدفق البترول إليها بصرف النظر عن الأوضاع الإنسانية.وبعد تسليمها قيادة عمليات "فجر الأوديسا" للناتو, لوحت في وقت لاحق إلى إمكانية التدخل العسكري وهو أمر يرفضه الثوار قبل القذافي لأنه سيصبح احتلالا.
والى جانب الموقفين السابقين،اتسم موقف الإدارة الأمريكية تجاه ما يجري في اليمن بنوع من الغموض وعدم الاكتراث بما يحدث اللهم بعض التلميحات التي لم ترقى إلى مخاطبة الرئيس اليمني صالح بعبارة "على الرئيس أن يرحل الآن".هذا الموقف الأمريكي له ما يبرره فالرئيس اليمني صالح "يد" أمريكا في أرض الله اليمن تصفع بها ما تشاء بلا هوادة.برودة الموقف الأمريكي في اليمن وحتى في البحرين يقابله حماس زائد تجاه ما يقع في بلاد الشام سوريا،وحسبنا فالإدارة الأمريكية مدعومة بفرنسا وبريطانيا تعمل جاهدة لأجل فرض عقوبات ولما لا تدخل عسكري طالما انتظرت مبرره.
وكيفما كان الحال فالإدارة الأمريكية رأت أنه لا فائدة في بقاء موقفها المدافع على الأنظمة الشمولية في المنطقة، ومن الملحوظ أيضاً أنها قامت بتغيير الأسلوب والتكتيك والسيناريو وركبت موجة التغيير التي طرأت في البلاد العربية والإسلامية، حتى يتسنى لها أن تكسب القلوب و الشعوب وتمتص الغضب العربي و الإسلامي تجاهها ومن ثم تعلن وقوفها إلى جانب الشعوب بحيث يخلى لها الجو وتصنع "وغد" يخدمها ويرعى مصالحها في السر والعلن وتلكم سياسة مكشوفة.هذا التحول في الموقف الأمريكي تجسد بوضوح في خطاب الرئيس الأمريكي أوباما الموجه للمسلمين،والذي شدد فيه على دعمه الكامل لمساعي شعوب المنطقة لنيل حرياتها الأساسية مع معارضته الشديدة لاستخدام العنف والقمع ضد المحتجين.
وفي موقف صريح وغير سابق له يعكس مدى تطور موقف الإدارة الأمريكية من الحكام العرب،حمل باراك أوباما مسؤولية تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط إلى قادته الذين وظفوا الغرب وإسرائيل كشماعة يعلقون عليها فشلهم إذ قال" إلا أنه يتوجب القول بأن أمريكا ليست خطرا على شعوب إفريقيا والشرق الأوسط... بل زعماء الشرق الأوسط هم من حاولوا توجيه مشاكلهم نحو الغرب وإسرائيل عوض العمل على حلها باعتبارها شأنا داخليا"؛ليخلص بعد ذلك إلى أن زعماء آخرون سيتبعون بن علي ومبارك.
مما لاشك فيه أن الموقف الأمريكي المعلن في الخطاب الثاني للرئيس الأمريكي باراك أوباما للمسلمين سينزل كالصاعقة على حكام الشرق الأوسط وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية التي خاب ظنها بالإدارة الأمريكية نتيجة تخليها عن حسني مبارك.وإذا ما وضعنا في الحسبان فتور العلاقات السعودية الأمريكية وخاصة منذ أحداث سبتمبر 2001،وأن العربية السعودية هي صاحبة القول في الخليج العربي إضافة إلى التخلي المذل لأمريكا عن حلفائها السابقين في المنطقة ناهيك عن خطر الاجتياح الشيعي الإيراني للخليج العربي في حال الحرب على سوريا؛فان دعوة الخليجي للأردن والمغرب للانضمام إليه يجب أن تدرس بتأني ويطبق فيها المثل المغربي"100 تخميمة أو تخميمة ولا ضربة بالمقص" وهو في اعتقادنا الخاص ما انتبهت إليه الجهات المسئولة لما أعلنت أنها ستدخل في مفاوضات جادة ومسئولة وأن لا بديل للمغرب عن تكتله الإقليمي المنشود الاتحاد المغاربي.