أبدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما قلقه الشديد بعد تقرير اختبارات (بيسا) الذي كشف أن الصينيين هم الأذكى والأفضل تعليماً في العالم، وتعد اختبارات (بيسا) المعيار الدولي الرئيس لقياس جودة الأنظمة التعليمية في البلدان المختلفة.
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن أوباما تعليقاً على نتائج التقرير أن "البلاد التي تتفوق علينا في مجال التعليم اليوم ستتفوق علينا في باقي المجالات غداً".
وكان أوباما قد حذر في وقت سابق من "سباق تسلح تعليمي" بين الولايات المتحدة والصين والهند، رافضاً اقتراحات للحزب الجمهوري بخفض ميزانية التعليم، ومؤكداً أن هذا الاقتراح يدل على قصر النظر، ويضر بالمصالح الأمريكية.
وحسب مراسل "بي بي سي" لشؤون التعليم: "يحقق التلاميذ الصينيون نتائج (مذهلة) في الاختبارات التربوية الدولية، حسب ما صرح به أندرياس شلايشر، المسؤول عن اختبارات (بيسا) التي تجريها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD التي تعتبر المعيار الدولي الرئيس لقياس جودة الأنظمة التعليمية في البلدان المختلفة.
تجرى اختبارات بيسا مرة واحدة كل ثلاث سنوات، لقياس قدرات الطلبة في مجالات القراءة والرياضيات والعلوم.
وتشير آخر النتائج إلى أن النظام التعليمي الصيني يتجاوز بجودته الأنظمة التعليمية في كثير من الدول الغربية.
وبينما يحظى تطور الصين في المجالات الاقتصادية والسياسية باهتمام شديد من باقي دول العالم، يلقي التقرير الذي أصدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الضوء على الطريقة التي تعد بها الصين أجيالها الجديدة.
"مرونة مدهشة"
تشير نتائج اختبار (بيسا) لعام 2009 إلى أن مدينة شانغهاي تأتي في المركز الأول في تسلسل جودة التعليم في العالم، ولكن لم يتضح ما إذا كانت هي وهونغ كونغ (التي حققت هي الأخرى نتيجة مرموقة) حالتين فريدتين على نطاق الصين.
إلا أن شلايشر يؤكد أن النتائج التي خرج بها التقرير ولم تنشر بعد، تشير إلى أن أداء التلاميذ في باقي مناطق الصين كان قوياً أيضاً، ويقول: "لقد رأينا أداء متميزاً حتى في المناطق الريفية والبيئات الفقيرة".
ويشير إلى أن النتائج بينت "المرونة" التي يتميز بها الطلبة الصينيون وتصميمهم على تحقيق النجاح رغم خلفياتهم الفقيرة، كما بينت "درجة عالية من المساواة" بين التلاميذ الفقراء وزملائهم من ميسوري الحال.
وقال: "تعتبر شنغهاي حالة خاصة، وكانت النتائج التي حققتها ضمن المتوقع، ولكن ما فاجأني حقاً كانت النتائج التي أحرزتها الأقاليم الفقيرة. إن قدرة التلاميذ الصينيين على التكيف مع الظروف الصعبة والمرونة التي يتحلون بها في هذا المجال مدهشة حقاً".
وأضاف قائلاً: "ولكن يجب أن نتذكر أن في الصين إيماناً راسخاً بأن التعليم هو مفتاح النجاح".
الاستثمار بالمستقبل
ويقول المسؤول التربوي الدولي: إن النتائج التي حققها التلاميذ الصينيون الفقراء على وجه الخصوص تحسدهم عليها أي دولة غربية.
ومن أجل ضمان الحصول على صورة واقعية، أجريت الاختبارات في تسعة أقاليم صينية وشملت مناطق فقيرة ومتوسطة وغنية.
وفي محاولة للحفاظ على أسرار تفوقها، لم تسمح الحكومة الصينية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنشر النتائج التفصيلية لهذه الاختبارات، ولكن شلايشر يقول إنها ترسم صورة مجتمع يستثمر المال والجهد فردياً وجماعياً في مجال التعليم.
ويقول إنه في رحلة قام بها مؤخراً إلى أحد الأقاليم الأفقر في الصين، استرعى انتباهه كيف أن المدارس كانت أفخر المباني في القرى والبلدات التي زارها على الإطلاق على عكس الغرب، حيث تكون مجمعات التسوق هي في العادة أفخر المباني في المدن.
وقال: "يتشكل لديك الانطباع بأن هذا مجتمع يستثمر للمستقبل عوضاً عن الاستهلاك الآني".
وكشف التقرير عن وجود فروق حضارية واضحة بين التلاميذ الصينيين والغربيين عند سؤالهم عن أسباب النجاح في المدرسة، "فالتلاميذ في أمريكا الشمالية يؤمنون بالحظ، حيث يقول لك التلميذ: إني موهوب في مجال الرياضيات، أو لست موهوباً لذا سأدرس موضوعاً ثانياً.
أما في أوروبا، فالأمر يتعلق بالإرث الاجتماعي، حيث إذا كان الوالد عاملاً، يصبح الابن كذلك.
ولكن في الصين، يقول لك تسعة من كل عشرة تلاميذ تسألهم: إن الأمر يعتمد على الجهد الذي أبذله، وبإمكاني أن أنجح لو راجعت دروسي بإتقان"، وقال شلايشر: "إنهم يتحملون المسؤولية، ولا يحمّلونها للنظام التعليمي".
كأس العالم التربوي
تجرى هذا العام جولة جديدة من اختبارات (بيسا) في ظاهرة أصبحت تشابه سنة إجراء دورة كأس العالم ولكن للمستويات التعليمية. ويرشح شلايشر البرازيل وتركيا وبولندا لتحقيق نتائج متميزة هذه المرة.
وقد أصبح شلايشر، وهو ألماني يعمل في مقر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس، الأب الروحي لهذه المقارنات التعليمية حيث تتمتع آراؤه باحترام كبير في الدوائر التعليمية حول العالم.
ومن المقرر أن تختبر الجولة الجديدة من (بيسا) نصف مليون تلميذ في سبعين بلداً، وستنشر نتائجه أواخر العام المقبل.