حسن الأشرف
أكد الدكتور محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية في كلية الحقوق بمراكش، بأن التحولات العميقة التي شهدها خطاب الحركة الإسلامية بالمغرب ساعد النظام السياسي المغربي على التعامل مع هذه الحركة الإسلامية بنوع من الانتقائية والبراغماتية في اتجاه عدم المواجهة المباشرة معها.
وقال الغالي، في حوار مع هسبريس جوابا على ثلاثة أسئلة محددة، إن النظام السياسي بالمغرب مطالب بالتعاطي إيجابيا مع الحكومة الحالية التي يقودها ما سماه "الاتجاه الإسلامي التوفيقي"، مشيرا إلى أن حدوث خلاف ذلك يعني تقوية مشروعية الاتجاه الراديكالي، وما يليه من تداعيات سياسية خطيرة.
ولفت الغالي أيضا إلى أن الطيف الإسلامي المكون من حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوي حركة التوحيد والإصلاح يتوفر على "لاعبين جيدين قادرين على تبادل لعب الأدوار حسب ما تمليه وتفرضه موازين الظرفية السياسية في البلاد".
هل مكّنت عملية إدماج جزء من الحركة الإسلامية في المغرب في إطار حزب سياسي، من تحويلهم إلى جزء من النظام السياسي، أم أن هذا الأخير ما زال يبدي نوعا من المقاومة تجاههم؟
في اعتقادي إن خطاب الحركة الاسلامية عموما قد عرف تحولات عميقة، فمن المسار الراديكالي الذي كان يتعامل مع النصوص الشرعية بنوع من القدسية المطلقة، التي تعتبر المرجعية الإسلامية البديل الأوحد لإدارة وتدبير شؤون الدولة، وبالتالي تخليص الإنسان من الظلم والفساد؛ من قبيل الاتجاه السلفي المحافظ، والمسار البين راديكالي ـ توفيقي (نموذج جماعة العدل والإحسان)، إلى المسار التوفيقي (مثل حركة التوحيد والإصلاح)، الذي أصبح يطرح فرضية القبول والتعامل مع المرجعيات الإيديولوجية الأخرى السائدة في المجتمع مادامت لا تعلن عداءها العلني على المرجعية الاسلامية.
هذا التحول ساعد النظام السياسي المغربي على التعامل مع الحركة الاسلامية بنوع من الانتقائية والبراغماتية في الحدود التي لا تجعله يصل إلى نقطة المواجهة المباشرة معها من أجل فرض الذات، والتي لا تسمح لها في نفس الوقت بتحقيق تمكنها وهيمنتها الإيديولوجية على الساحة السياسية.
إن مكونات الحركة الاسلامية غير متجانسة وتشتغل بأجندات مختلفة، مما يعقد منهجية التعامل معها بنفس المقياس من طرف النظام السياسي، وهو ما يجعل كل الحسابات معها معقدة ومتسمة بالتناقض، وحتى الارتباك أحيانا.
ماذا ميّز تجربة الإسلاميين داخل البرلمان من حيث الموقف من المؤسسة الملكية وطريقة التعاطي مع سلطاتها وميزانياتها...؟
يبقى على العموم موقف الإسلاميين من خلال حزب العدالة والتنمية، من داخل قبة البرلمان تجاه المؤسسة الملكية متسما بالاعتدال الصريح أحيانا، والنقد الضمني أحيانا أخرى من خلال المواقف المعلنة ضد بعض الشخصيات المقربة أو المحسوبة على القصر، كما أن مواقفهم من الحكومات التي حظيت بثقة الملك عرفت تدرجا من خلال منهجية المعارضة الناصحة أو المعارضة المنتقدة، تكشف عن الرغبة في تفادي الدخول في صدامات مباشرة مع المؤسسة الملكية، حيث الخطاب لم يصل إلى مستوى التشكيك المباشر في ثوابت النظام السياسي، وحتى إن كان هناك نقد حاد فسقفه يبقى في نطاق التركيز على الجوانب التدبيرية التقنية، كأسلوب لخلق الاعتقاد بأن الإسلاميين في البرلمان يشكلون قوة سياسية اقتراحية ومندمجة وفاعلة من داخل الثوابت الدستورية والسياسية، ولا يشكلون قوة منعطفة عنها..
يعرف هذا المكون السياسي تناقضات داخلية.. هل يمكن القول إن التيار الأكثر مهادنة مع الملكية هو الذي يُمسك حاليا بزمام الحزب والحركة؟
أشير في هذا السياق إلى ملاحظة أساسية تكمن في كون حزب العدالة والتنمية الجناح السياسي للحركة الاسلامية الممثلة في البرلمان، ومن خلال جناحه الدعوي المتمثل في حركة التوحيد والإصلاح، استطاع أن يخلق فاعلا وحيدا متكامل الأدوار في التأقلم مع طبيعة النظام السياسي التي فرضت على القياديين في هذا النوع من الحركة الإسلامية أن يبتدعوا من الأساليب ومناهج العمل ما يجعلهم قادرين على التحكم في مختلف المخاطر التي يمكن أن تجعلهم في وضع المنافس المنازع للملكية في مصدر مشروعيتها الاستراتيجي، والمتمثل في المشروعية الدينية ـ إمارة المؤمنين ـ في مواجهة مباشرة مع المؤسسة الملكية.
وفي اعتقادي مادام ما يظهر لنا على أساس أنه تناقضات داخل هذا المكون الإسلامي لم يصل بعد إلى المستوى الذي قد يخل بالتوازن من داخله، فيمكن القول بأن هذا المكون من خلال حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح يتوفر على لاعبين جيدين قادرين على تبادل لعب الأدوار حسب ما تمليه وتفرضه موازين الظرفية السياسية.
وبالتالي، بالنظر إلى براغماتية الحزب وإحساسه بأنه يحقق مكاسب سياسية، فإن الاتجاه المحافظ يبقى دوره ضمنيا في مقابل التيار الذي يظهر أنه معتدل مادام أسلوبه في التعاطي مع تفاصيل الأمور لا يتناقض ولا يهدم أهداف الحزب..
وفي اعتقادي، فإن النظام السياسي مطالب من أي وقت مضى بأن يتعامل بالايجابية اللازمة مع الحكومة الحالية التي يقودها الاتجاه الإسلامي التوفيقي، وتفادي التحامل عليها، وغير ذلك يعني تقوية مشروعية الاتجاه الراديكالي، مما يعني ميدانيا الدخول في متاهات يصعب التحكم في مخاطرها ومآلاتها...