عبد الله المتقي - العرب اليوم
سناء بلحور.. قاصة مغربية مقيمة في بلجيكا ، بدأت شاعرة ثم احتطفتها القصة القصيرة ، والقصيرة جدا ، لتصدر عن دار التنوخي مجموعتها الأولى " رعشات"التي استقبلها النقاد بحفاوة ، وعلى هام زيارتها للمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء ،كان لنا معها هذا اللقاء.
*لماذا رعشات؟
- الرعشة هي الرعدة اتي يعترينا لمدة قصيرة ثم تختفي كذلك لحظات الكتابة هي ارتعاشات على حوافي الأسطر.الكتابة ومضات تحضرنا وتغيب ولنا أن نقبض عليها في اللحظة ذاتها ونتوسع فيها بحسب ما نريد إيصاله للقارئ.
* لماذا القصة القصيرة جدا؟
- كل مقومات القصة القصيرة جدا تدفعك لكتابتها:قوتها التعبيرية على مستوى التلميح والرمزية شاعريتها التي تصعد بك من مستوى السرد التجريدي إلى السرد الحالم هناك كذلك خاصية التكثيف التي تجعلك تختار المفردات ومواضعها... بل تدخل بهذا الفعل في علاقة عميقة مع ما تكتب .فأنت تنتقي وتؤثت النص بطريقة تخدم المعنى والفكرة التي تريد إيصالها للقارئ يمكن أن نضيف إلى ذلك شكل الفكرة التي تحضرنا. صغيرة، مكثفة بالرغم من كبر قيمتها الإدراكية ،كذلك القصة القصيرة جدا قوية بمعانيها،في بحث متوالي عن أجمل شكل يصوغها ويعبر عنها.
*ما جدوى الكتابة في المهجر؟
-الكتابة في كل مكان تعبير لصيق بالحياة وتطفو على مرايا الوجود،ولكنها في المهجر أكثر وأقوى من ذلك،إنها رفض معلن للتبدد والإقصاء وبالتالي اندثار الذات البشرية،لاسيما وأننا محاطون بتيارات مختلفة وجارفة تنزلق بنا في متاهات الصراع بين الذات وما يحيط بها باختصار،للكتابة في المهجر جدوى الوجود والحضور وإثباث الذات.
*في رعشات لعب وتشكيل للكلمة بالمناسبة أود أن أسألك ما سبب هذا الشغف باللعب والتشكيل؟
- أنا لا أراه لعبا بقدر ما هو ترنح وبحث مسترسل عن قالب أصوغ به الفكرة. والسؤال الذي يطرح:هل تكفي اللغة للتعبير عما يجوب في الدواخل؟اللغة بقدر ما هي واسعة ومنفتحة تبقى عاجزة عن صياغة الإنسان بكل حمولاته.وقد يكون التشكيل صورة من صور انفتاح الكتابة على كل مصوغ يقدمها بشكل أكثر تعبيرا وجمالا وكأن الكاتب يتبلور عبر أشكال مختلفة كي يوصل فكرة بوسائل شتى تجدب القارئ،بل .تعبر عنه،إن لم تكن تبهره، وتثير عنده رؤى أخرى.
*ما حكاية هذا التنكير الذي يكاد يسكن كل عناوينك؟
- إنه إعلان لتصور شخصي للمفاهيم،بل للقصة ذاتها وانفتاح بالنص على رؤى مختلفة ...هو كذلك تحرر من كل أشكال التعريف التي تجعل النص منغلقا على ذاته.
*ماذا عن هذا الحضور للماء:بحر،حوض،دموع...؟
- هل كان في الحياة شيء دون الماء؟وهل كانت الحياة نفسها دون الماء؟لعل الباعث على استحضار الماء في كتاباتي لصيق بالذات الإنسانية العطشى، والتي لاتتصور وجودها بمنأى عن هذا العنصر الرئيس في الحياة:الماء يغسل، يطهر ، ينعش...بل يصبح لغة الذات حين نبكي، نتصبب عرقا، نتلذذ...وهو في هذه الحالة يصير شبيها بالكتابة التي هي نشيج الروح البليل، لحظات الخلاص والولادة المجيدة،وأويقات الإنتشاء بلذة الحرف وحرقته.
*هل فعلا تنتصرين للحب والحياة ضدا على الحزن والعزلة والخديعة كما نقرأ في التقديم؟
- هو في الحقيقة عناد قوي يقود إلى النصر،عناد كان مبعثه رفض للموت وللبشاعة ولكل تصرف يلغي الآخر،ويدسه في غيابات الإقصاء.
مادمت أكتب فأنا أنتصر للحب والحياة،مهما كانت النصوص تنضح بالألم والحزن.هكذا أخرج من العزلة مادمت أتقاسم مع الآخر هموم الحياة،وأقحمه فيها، وأحمله على التساؤل عن طريق فعل القراءة.
*يحضر الشعر في قصصك،هل تهمك الشعرية في القصة؟
- تهمني وتهمني لأني لا أتصور الكتابة دون شعرية،هي بالنسبة لي ملح الطعام هي السلم الذي يرقى بالنص إلى السرد الحالم،ولا أقصد بذلك أن يتحول النص القصصي إلى قصيدة شعرية،بل يحتفظ النص بمعايير القصة مع الاجتهاد في تقديمه بشكل موحي للجمال،يجعل النص منفتحا على ورؤى أخرى وعوالم مختلفة.
*ماذا تعني لك الكتابة؟
- الكتابة بالنسبة لي كما الماء والهواء،لا أتصور وجودا لي دونها.هي في حد ذاتها انتصار ضد البشاعة،وحضور معلن للحياة.الكتابة حصني الذي أحتمي به وفيه حين تلفحني الحياة بلهيبها،تعلمت أن أجلس بين السطور كي أنكأ الجراح وألملمها، كي أبرأ وأتصالح مع نفسي،وأحب الآخر بالرغم من اختلافاتنا.
*ماذا في جبتك القصصية الآن؟هل من جديد؟
- أنا دائمة الكتابة كما عين الماء.لي مجموعة من القصص القصيرة جدا،التي تكتبني وأكتبها ،والتي ستكون موضوع شراكة معك أستاذ المتقي،بإذن الله،بالإضافة إلى مجموعة من القصص القصيرة،والقصائد الشعرية،والبقية تأتي مع الأيام.
*ماهي الأسماء العربية والعالمية التي تربى عليها قلمك؟
- قرأت كثيرا لرواد الأدب الفرنسي:بالزاك،إميل زولا، راسين، فرلان، هوكو.... بحكم دراستي للأدب الفرنسي،وغبريال غارسيا مركيز وكويلو...غير أني لم أنس حلاوة النصوص العربية التي غدت قارحتي الأدبية وزرعت فيها حدائق الشعروحرائق القص.لم أنس نصوص أحمد أمين وجبران خليل جبران والمنفلوطي...وأشعار الشابي وأبو فراس والمتتبي...ثم انفتحت على الأدب الحديث،فقرأت لحيدر حيدروعبد الرحمن منيف وفدوى طوقان والزفزاف وبرادة والأشعري وواسيني الأعرج والكفراوي وزكريا تامر...
*هل منحتك القصة القصيرة جدا شيئا من الدفء للتخفيف عن غربتك؟
- الكتابة بصفة عامة احتضنتني وأهدتني لحظات النشوة العارمة،والقصة القصيرة جدا نجحت في اقتناص لحظات الغمر العميقة التي تعبرنا، تحتفي بها وتؤرخ لها في سماء السرد الحالم.
*هل أنت بخير يا سناء؟
أنا بخير مادمت أكتب ومادامت مترسخة في دواخلي قيم الخير والحب والجمال.ومادامت إنسانيتي تسكنني وأسكنها.