هل يكفي النشيد الوطني كل صباح في مدارسنا لجعل أطفالنا يحسون بالانتماء لهذا الوطن والاخلاص له والتشبت به والدفاع عنه عند الحاجة ؟ هل هذا يكفي للقضاء على حلم الهجرة لديهم ؟
أطفالنا في حاجة قبل كل شيء لمعرفة بلدهم ، لأن الاحساس بالمواطنة شعور ينمو عن طريق المعرفة والمعايشة والقرب . وحتى يمكننا أن نخاطب وجدان الطفل وننمي لديه الاحساس بالافتخار والاعتزاز بوطنه ، لابد أن نمده بالمعارف اللازمة عن تاريخه وحضارته .
مغربنا ، مغرب الألف وجه : مغرب الجبال الشامخة بتوبها الأبيض شتاء والأخضر باقي الفصول . مغرب الروابي الخضراء والوديان . مغرب الحضارات القديمة التي تشهد بعظمته . مغربنا : الشجرة القوية التي تمتد جدورها في افريقيا وتصل أغصانها أوروبا .كل ما فيه يستحق الفخر والاعتزاز.
رسالتنا اليوم أن نعرف طفلنا في المدرسة بالخصوصيات الحضارية التاريخية والوطنية ، مع الانفتاح المرن على كل الثقافات الأخرى ، أن نشعره بالموروث المشترك من المبادئ والقيم والسلوك والعادات ، أن نحفزه على العطاء والإخلاص والتضحية لهذا الوطن ، أن نساعده على بناء القدرات والمهارات الكافية في كل المجالات حتى يصبح قادرا على الابداع والتميز من أجل تنمية وطنه . فلا يحتاج بعد ذلك أن يحلم بمستقبل خارج حدوده .
1 - مفهوم المواطنة
المواطنة نسبة إلى الوطن و"هو مولد الإنسان و البلد الذي هو فيه"(1). و جاء في معجم "الصحاح" للجوهري أن الوطن محل الإنسان؛ ثم اتسع معنى المواطنة ليشمل إضافة إلى النسبة إلى البلد، الشعور بالتعلق به، أكثر من غيره، و الانتماء إلى تراثه التاريخي وعاداته ولغته.
يتشكل مفهوم المواطنة في سياق حركة المجتمع وتحولاته وتاريخه. و في صلب هذه الحركة تنسج العلاقات، وتتبادل المنافع، وتخلق الحاجات، وتبرز الحقوق، وتتجلى الواجبات والمسؤوليات. ومن مجموع هذه العناصر المتفاعلة ضمن تلك الحركة الدائبة يتولد موروث مشترك من المبادئ و القيم و السلوك و العادات؛ يسهم في تشكيل شخصية المواطن و يمنحها خصائص تميزها عن غيرها. و بهذا يصبح الموروث المشترك حماية وأمانا للوطن وللمواطن. فالمواطن يلوذ به عند الأزمات ولكنه أيضا يدافع عنه في مواجهة التحديات، لأن المواطن لا يستغني عن الوطن والوطن لا يستغني عن المواطن، فوجود أحدهما واستمراره المعنوي رهين بوجود الآخر واستمراره.
فالمواطنة حقوق وواجبات، ومبادرة الإنسان ومسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الجماعة التي ينتمي إليها، وهذه الحقوق والواجبات لا تمارس إلا في مجتمع عادل وديمقراطي يحرص على المساواة وتكافؤ الفرص وتحمّل أعباء التضحية من أجل ترسيخ هذه المبادئ وحمايتها وفتح آفاق تحسين ممارستها برؤية تتطلع إلى المستقبل وبحماس لا تطغى فيه العاطفة على العقل والحكمة.
2 - التربية على المواطنة
تتمثل غايـة التربيـة على المواطنـة في تكويـن الإنسان/المواطن الواعي الممارس لحقوقـه و واجباته في إطار الجماعة التي ينتمي إليها، كما تتمثل في العمل المبرمج من أجل أن تُنَمـّى لديه، باستمرار، منذ مراحله الأولى، القدرات و الطاقات التي تؤهله مستقبلا لحماية خصوصياته و هويته و ممارسة حقوقه و أداء واجباته بكل وعي و مسؤولية، حتى يتأهل للتواصل الإيجابي مع محيطه.
تتأسس المواطنة على الوعي بالخصوصيات الحضارية التاريخية والوطنية والاستعداد لتنميتها وتوجيهها ، والدفاع عنها بكل الوسائل العلمية والمعرفية والمنهجية والمادية، في احترام تام لخصوصيات الآخرين، وتفاعل متميز مع مختلف التجارب، وانفتاح موزون على كل الثقافات، وحوار واع مع كل الحضارات.
وينمو الإحساس بالمواطنة والانتماء إلى الوطن عن طريق السعي الحثيث إلى اكتشاف المواطن لذاته ومحيطه أولا، ثم عن طريق المعرفة والمعايشة والقرب ثانيا. ومن خلال هذا الاكتشاف تتشكل لديه الاقتناعات والتصورات المرتبطة بوجوده، والوعي بمختلف الأبعاد الحقوقيــة والاجتماعية والثقـافية. وهذا ما يساعده بعد ذلك على بناء المواقف والاتجاهات ومناقشتها في ضوء القيم السامية للمواطنة، كما يساعده على بناء القدرات والمهارات التي تمكن من الإبداع والابتكار والتميز من أجل تطوير مسيرة الوطن وتغذيتها بكل أساليب التشجيع والتحفيز.
تخاطب التربية على المواطنة عقل الإنسان المواطن لتمده بالمعارف اللازمة عن تاريخ بلده وحضارته، وبالمعلومات الضرورية عن حقوقه وواجباته. كما تخاطب وجدان المواطن لتشكل لديـه منظومـة قيـم و أخـلاق تنمي لديه الإحسـاس بالافتخـار والاعتزاز، وتحفزه على العطاء والإخلاص والتضحية. كما تتوجه إلى حواسه لتمده بالمهارات الكافية في كل المجالات التواصلية والتقنية والعلمية التي تجعله قادرا على الإبداع والتميّز من جهة، وقادرا على التعريف بحضارة بلده والدفاع عنها من جهة ثانية.