لالة كلثوم الإدريسي/تنغير
كي يستطيع الإنسان المضي قدما في حياته، يجب أن يقطع صلته بالماضي وبذكريات زمن مضى ولن يعود، فكلما تذكر الماضي وقعد يبكي على أطلاله المتهدمة إلا وتوقفت لديه عجلة الزمن عن الدوران، فما يعود يستطيع الإحساس لا بالوقت ولا بالمكان، فالإنسان انعم الله عز وجل عليه بنعمة لا يحس بقدرها إلا من جربها وأحس بمفعولها، أتدرون ما تلك النعمة؟؟.. هي نعمة النسيان، وبها سمي الإنسان إنسانا لكثرة نسيانه، لذلك يجب في بعض الأحيان أن نستغل تلك النعمة وندع فطرة الإنسان في النسيان تقوم بواجبها دونما اعتراض بل ونساعد أنفسنا على النسيان، بمحو أي أثر قد يذكرنا بما مضى وألا ندع الفراغ يتسلل إلى حياتنا، لأنه السبب الأساسي لقعودنا أمام الأطلال وبكائنا وحسرتنا عليها، فبمجرد سماع كلمة واحدة من شخص ما تذكرنا بموقف عشناه مفرحا كان أو حزينا، أو رؤيتنا لموقف أو شيء معين إلا ويعود بنا الزمان إلى الوراء، هذا ليس بأيدينا ولا نستطيع أن نمنعه عن أنفسنا ولكن الأفضل لنا أن ندع تلك اللحظة تمر بسلام ولكن يجب ألا تدوم طويلا ولا ندع سحب الحزن تغيم فوق رؤوسنا ونأخذ نفسا عميقا ونتذكر أن هناك حاضرا يجب نعيشه بتفاصيله، والشيء الأهم أن نتذكر أننا لسنا لوحدنا وأننا مرتبطون بأناس حولنا يعقدون آمالهم علينا، وربما في اغلب الأحيان حالتنا النفسية تنعكس على من حولنا، فعندما نطمر رؤوسنا مثل النعام في الأرض، ونهوي بأنفسنا نحو الهاوية فإننا لا ندمر أنفسنا فقط إنما ندمر من حولنا معنا..
إن أصعب شيء في الوجود هو العيش في الماضي، قد يبدو كلامي غامضا وغير واضح المعنى، ولكن الجملة تشرح نفسها بنفسها إذا ما أمعنا فيها النظر جيدا؛ فبسبب صدمة تعرض لها الإنسان في وقت ما في حياته، أو بسبب فقدان شخص عزيز على قلبه، أو بسبب غدر شخص قريب منه،أو ضغط أو انتكاسة تعرض لها، أو لأسباب شتى فإن هذا الشخص يعيش في عالم افتراضي خاص به، يتذكر تفاصيل ما حدث له وكأن الأمر قد حدث معه قبل لحظات، ولا يكاد ينسى أي تفصيل يتعلق به، ولكن هذا الشخص للأسف الذي يعيش في عالمه الخاص يعيش في ماضيه فقط ولا يحس بمرور الوقت ولا يحس بالحاضر ولا يدري إن كان هناك مستقبل في الأساس أم لا، ويقبع في قبو مظلم داخل عقله ولا يترك للنور فرصة كي يتسلل إليه ولا أن يضيء حياته، فلا الماضي يستطيع إرجاعه، ولا الحاضر يعيشه بتفاصيله ولا المستقبل يدري إن كان هناك غد أم لا..
في أحيان كثيرة وبسبب مشاكلنا وضغوط الحياة علينا، فإننا نحس بعدم الرضا في حياتنا الشخصية أو بمستوانا الدراسي أو بعملنا، بل ويصل بنا الأمر إلى حد اللعن والسب والشتم وحط اللوم على الزمن وعلى الظروف، وعلى أشخاص لا علاقة لهم بنا، ولكن إن نظرنا إلى الأمر من منظور آخر فالذي يقع اللوم عليه هو نحن "أنفسنا"، وان كان هناك من يجب معاقبته فالأجدر أن نعاقب أنفسنا قبل أن ننطق بأية كلمة، وان ندع الغرور والأنانية جانبا وان نتشجع بان نعترف ونقول الحق بأننا المخطئون في حق أنفسنا وأننا من يجب أن نتحمل كامل المسؤولية، فان استطعنا القيام بهذا فقد قطعنا نصف الطريق لتصحيح ما اقترفناه، فمصالحتنا لذاتنا هي أول شيء علينا القيام به في طريق تصحيحنا لأخطائنا، والنصف الآخر من الطريق يأتي بالمبادرة إلى العمل على تحقيق ما نريد، والاهم من هذا وذاك يجب أن نمنح أنفسنا فرصة التفكير والتدبير، لأنه لو كانت هناك إمكانية الرجوع بالزمن إلى الوراء، ومراجعة أفعالنا لتبين لنا أن كل الأخطاء التي اقترفناها بسبب عدم تفكيرنا في عاقبة ما نقوم به وسوء تدبيرنا للأمور، وتسرعنا ولامبالاتنا، وعندما يفوت الأوان نجد الندامة والحسرة في الانتظار..
إن مستقبلنا رهين باختياراتنا في حياتنا، وهي التي تحدد مصيرنا، ومادام فينا روح ونفس فهناك حياة يجب أن نعيشها، ولا ندع أخطاء الماضي تتحكم في حاضرنا ولا في مستقبلنا، فالماضي بحلوه ومره يبقى مطويا في دفتر الذكريات، ويجب أن نمنح أنفسنا فرصة التغيير والتكفير عما مضى..
دمتم سالمين
,