العرب اليوم
يصدر قريبا عن منشورات دفاتر العلوم الإنسانية الرباط/القاهرة، مؤلف جديد للباحث السوسيولوجي المغربي الدكتور عبد الرحيم العطري، و هو العمل الذي اختار له الباحث العنوان التالي: "الرحامنة: القبيلة بين المخزن و الزاوية"، و الذي يقع في نحو 170 صفحة من القطع المتوسط.
ويقول الناشر بأن "استدعاء هذه الثلاثية "القبيلة، المخزن، الزاوية" له ما يبرره عمليا وموضوعيا، ففهم الكثير من الديناميات والأساسيات التي تحدد ملامح المجتمع المغربي، يظل محدودا بدون تتبع هذه المكونات، كما أن التمكن، أو على الأقل، الاقتراب من تطورات المغرب الراهن يكون متعذرا أحيانا بدون الرجوع إلى مغرب القرن التاسع عشر، الذي كانت ثلاثية "القبيلة والمخزن والزاوية" مساهمة إلى حد كبير في تدبيره وإنتاجه وإعادة إنتاجه. و هو ما يمنح لعمل العطري الراهنية و الملحاحية، خصوصا وأنه يصدر في ظرف "مختلف" عرفت فيها منطقة الرحامنة نوعا من "التضخم السياسي" في التعاطي و الطرح، ما يوجب الرجوع إلى أسئلة "الجماعة العلمية" من أجل اكتشاف دينامية الإنسان والمجال من الأمس البعيد إلى الأمس القريب".
يضيف الناشر قائلا بأن عودة الدكتور العطري إلى التاريخ، نابع من تأكيده المستمر على الحاجة إلى علم اجتماعي منفتح لا منغلق، يقطع بالأساس مع ثقافة "الكاست المعرفي"، و بذلك فإن العودة إلى التاريخ، لتتبع وقراءة اشتغال النسق القبلي الرحماني، لن يكون مسكونا بهاجس تأريخي يبحث عن شواهد معينة لتبرير وقائع أخرى، بل إنه عمل يراد منه استدعاء المسار القبلي في تفاعل مع مؤسسات أخرى كان لها الدور البارز في صياغة علاقات داخلية وخارجية لذات النسق.
يتوزع هذا العمل على سبعة فصول تشتغل على قبيلة الرحامنة في حلها وترحالها، مع ما يستدعيه الحل والترحال، من بناء للمجال وإعادة تملك له، وما تفرضه هذه الدينامية التاريخية والثقافية والسياسية من تأسيس لعلاقات و جوارات، ولربما من توترات، مع المخزن والقبائل والزوايا، فمنذ القرن التاسع عشر على الأقل سجلت الرحامنة حضورا قويا في عدد من الاتجاهات والوقائع، وهو حضور لاح في كتابات الإخباريين والمؤرخين، كما تأكد أيضا في مستوى الالتباس الذي يرافق التعاطي مع هذه القبيلة، فحينا يتم "الحكم" عليها بأنها من قبائل السيبة، وحينا آخر يتم توصيفها بأنها من قبائل الكيش، فيما يلح آخرون على أنها لم تكن إلا من قبائل النايبة.
يتوجب النظر لعلاقة الرحامنة بالمخزن إليها في سياق عام من التحولات التي عرفها مغرب القرن التاسع عشر، حيث الأطماع الخارجية تتواتر والأزمات التدبيرية في مستوى السلطة المخزنية لا تكاد تنخمد إلا لتنطلق شراراتها من جديد، اتصالا بموت سلطان وعسر استخلاف، فضلا عن القحوط والجوائح المتوالية. لهذا يتوجب الرجوع إلى القبيلة في علاقاتها الممكنة مع المخزن لتجاوز هذا الالتباس، ثم مع الزاوية لاكتشاف حدود وامتداد المقدس في صناعة النخبة المحلية وتجسير العلاقات مع المخزن أيضا، فالزاوية، أية زاوية، لا تمنع نفسها من التحالف أو التعارض مع السلطة المخزنية، تبعا للغة المصالح والتوازنـات.
إن حضور الرحامنة اليوم في مغرب متحول، يظل محكوما بتاريخ من الأداء السياسي والاجتماعي، كما أنه مرتبط بتاريخ القبيلة وعلاقاتها مع المخزن والزوايا وباقي القبائل الأخرى، وأساسا بعلاقتها بالمجال/ الأرض الذي يعد شرطا مؤسسا للانتماء والمشترك، فالمجال الرحماني هو مجال مكتسب حديثا، مقارنة مع وضعية القبائل المجاورة على الأقل.
إن المجال في حركيته وتاريخيته يعد مدخلا لقراءة الفعل الاجتماعي، فليس هناك من مجال محايد أو جامد، ثمة تفاعلات وتأثيرات متواصلة تكاد تنسحب على مجموع النسق، خصوصا عندما يكون هذا المجال من الناحية الجغرافية مفتوحا على التعدد والتركيب، أو موضع رهانات وصراعات وتنافسات مستمرة بين السلطة المخزنية والقبائل المجاورة. إلى ذلك كله يظل عمل الدكتور عبد الرحيم العطري من الأعمال المهمة التي جاءت لتقديم مساهمة جديدة، لها ما لها و عليها ما عليها، في سبيل سد جزء و لو بسيط من الثغرة المهولة التي يعرفها البحث التاريخي الاجتماعي حول الرحامنة.
يذكر أخيرا أن الكتاب الذي سيكون متوفرا، بحول الله و توفيقه، بالمكتبات و الأكشاك، في غضون الأسابيع القليلة القادمة، صدر عن منشورات دفاتر العلوم الإنسانية الرباط/القاهرة، ضمن سلسلة بحوث و دراسات، و ذلك في نحو 170 صفحة من القطع المتوسط، بغلاف دال، يحمل صورة لموسم سيدي امحمد الجراري بسبت البريكيين، من توضيب و إخراج الفنان إبراهيم.
,