تطرح حركة "دمقرطة" العالم العربي التي تجري بسرعة مثيرة للدوار مع ما يرافقها من ضجيج إعلامي مخاوف من أن بعض الدول غير مهيأة بعد بما يكفي من أسباب القوة والحصانة الاقتصادية والمجتمعية وحتى الأخلاقية للانفتاح الديمقراطي دون مواجهة خطر الانفلات والخلط بين الحرية والتسيب. ويعطي نموذج شرق أوروبا مثالا مخيفا عن التحول الديمقراطي غير المحسوب والذي أدى في نهاية المطاف إلى تدهور عمليات الإصلاح وتوقّفها في هذه الدول التي شهدت أحداثا مماثلة لما تعيشه بعض الدول العربية اليوم.
وأظهرت دراسة لمؤسسة "بيرتلسمان" الألمانية أن هناك العديد من مواطن الضعف في ديمقراطيات هذه الدول التي كانت ضمن المعسكر الشيوعي سابقا.. واختفت وعود الإصلاح مثلما اختفت كثير من الملامح التي يدل على الإرث الشيوعي في دول شرق أوروبا حيث اختفت الواجهات القاتمة والبائعات سيئة المزاج اللاتي تهتم بأظافرهن أكثر من اهتمامهن بالزبائن. والأبنية، الفخمة كريهة المنظر التي لا تزال تعطي انطباعا بوجود الكتلة الشرقية، أصبحت تحت حماية التراث الثقافي. ولا يكاد يكون هناك اختلاف بين أبناء الجيل الحالي من الشباب في دول شرق أوروبا والذين لم يسمعوا عن أزمات نقص الغذاء إبان الحقبة الشيوعية ونظرائهم في دول الغرب.
بل إن الأمر لا يقتصر على ذلك، حيث يرى خبراء المؤسسة أن الأمور في بعض هذه الدول لا تسير باتجاه الأحسن بل تتراجع عما تم تحقيقه من تقدم بالفعل وأن هناك تراجعا في الحماس لتحقيق إصلاحات تدفع باتجاه الانضمام للاتحاد الأوروبي.
وتشير الدراسة إلى أن عمليات الإصلاح توقّفت في دول بجنوب شرق أوروبا والبلقان ودول شرق وسط أوروبا وأن الديمقراطية لم تستقر في هذه البلدان.
وبحسب المؤشر، الذي وضعه خبراء المؤسسة، تسجل دول شرق أوروبا السوفيتية السابقة بشكل إجمالي توقفا وربما تقهقرا باستثناء جمهورية مولدوفا كجارة لدولة رومانيا، العضو بالاتحاد الأوروبي، حيث قال الباحثون إن مولدوفا حققت خطوات ناجحة باتجاه الديمقراطية بسبب عملية الإصلاح المتأنية والذكية. أما الدول التي كانت معقد الآمال في تحقيق الديمقراطية مثل أوكرانيا وجورجيا، فيرى الخبراء أنها في تقهقر بسبب ما وصفوه بـ "ديمقراطيات معيبة". أما روسيا، فقد صنفها الخبراء "ديمقراطية معيبة بقوة".
كما تعتبر مقدونيا ومونتنيجرو "الجبل الاسود" وألبانيا وكوسوفو والبوسنة والهرسك "ديمقراطيات معيبة" هي الأخرى، أما الدول الإثني عشرة الباقية، من دول البلطيق إلى البلقان فصنفها الباحثون "ديمقراطيات آخذة في الرسوخ".
ويرى الباحثون أن المنطقة على طريق جيد للديمقراطية إذا قورنت بغيرها من دول العالم وأنها تسبق أجزاء أخرى من العالم، ومع ذلك فإن معظم دول شرق ووسط أوروبا وجنوب شرق القارة شهدت خلال الفترة التي شملتها الدراسة تراجعا في جودة ديمقراطيتها وفي جودة نظام اقتصاد السوق والإدارة السياسية.
يسري ذلك على المجر التي شهدت تراجعا في تصنيف ديمقراطيتها في ظل رئيس وزرائها فيكتور أوربان. فبينما كانت المجر تحتل المركز الرابع في مؤشر ديمقراطيات المنطقة عام 2006 أصبحت تصنف طبقا للدراسة الأخيرة في المركز السابع عشر، أي في ذيل ديمقراطيات المنطقة.
يأتي ذلك رغم تحقيق الدول الشيوعية الثمانية في وسط أوروبا تقدما ملحوظا منذ سنوات في الديمقراطية سبقت به الدول التسعة الشيوعية في جنوب شرق أوروبا.
وحصلت بولندا على درجة جيدة لتقدم ديمقراطيتها حيث نجحت حكومة رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك في مواصلة ترسيخ المؤسسات الديمقراطية، كما أن الخبراء يشهدون لهذه الحكومة بدعم نظام أحزاب مستقر وبمزيد من الاحترام لحقوق المواطنين مقارنة بدراسة مشابهة عام 2010. واعتبر الخبراء جمهوريتي التشيك وسلوفينيا أقوى ديمقراطيتين في المنطقة على الإطلاق.
أما دول جنوب شرق أوروبا المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، فلم تحقق سوى "نجاح ضئيل يتصل بإصلاحات في اقتصاد السوق". وقال الخبراء إنهم سجلوا تدهورا في عملية الديمقراطية وفي الإدارة السياسية في هذه البلاد وكذلك رأوا تزايدا في هذه الدول في الاستقطاب السياسي وفي الصراعات التصادمية ولكنهم أشاروا إلى أن مثال المجر يوضح أن العضوية الاتحاد الأوروبي لا تحمي من حدوث تقهقر في التطور الديمقراطي.
العرب اليوم