إدريس الكنبوري
في سابقة أولى من نوعها تمكن حزب سياسي صغير من تجميع عدد من الهيئات السياسية إلى جانب رموز التيار السلفي بالمغرب، يوم السبت الماضي بمنزل حسن الكتاني، أحد من يطلق عليهم"شيوخ" هذا التيار، وذلك احتفالا بالإفراج عن ثلاثة من هؤلاء الشيوخ بعفو ملكي في عيد المولد الأخير، وهم علاوة على الكتاني، عبد الوهاب رفيقي(أبو حفص) وعمر الحدوشي، كما أن اللقاء جمع أيضا إثنين من هؤلاء الشيوخ سبق الإفراج عنهما في أبريل من العام الماضي بعفو ملكي بعد مبادرة قام بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، هما محمد الفيزازي وعبد الكريم الشاذلي.
اللقاء الذي نظمه حزب النهضة والفضيلة، وهو حزب انشق سابقا عن حزب العدالة والتنمية عام 2005 ويقوده محمد خليدي، كان بمثابة محاولة لـ"تطبيع" العلاقات بين هؤلاء الشيوخ ـ الذين باتوا منذ اليوم رمزا لتيار فكري وديني مرشح للتحول إلى تيار سياسي ـ مع مختلف الأحزاب السياسية في البلاد، وتسويق صورة هذا التيار كتيار طبيعي له الحق في مشروعية البحث عن موطئ قدم له في المشهد السياسي العام بالبلاد، ليس كتنظيم قائم ولكن حتى الآن كمكون مجتمعي له طروحاته ومواقفه، والأهم من ذلك يتوفر على نوع من"الاعتراف" بتواجده وسط النسيج المدني بالمغرب، كما هو الأمر بالنسبة لليسار والإسلاميين والأمازيغيين وغيرهم سواء بسواء.
فقد شكل حضور شخصيات تنتمي إلى عدة أحزاب سياسية، مثل الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والحركة الشعبية ممثلة في المحجوبي أحرضان والحزب العمالي وأحزاب أخرى، مؤشرا هاما على أن الجليد الذي كان قائما في السابق بين هذه الأطراف وبين تيار السلفية الجهادية قد شرع في الذوبان، وأن وراء هذا الذوبان يوجد توجه لدى الدولة يقضي بالسعي إلى إدماج هذا التيار بشكل تدريجي، وتأهيله للعب دور سياسي في المرحلة القادمة. ذلك أن الحضور الحزبي الذي شهده اللقاء لم يمكن ممكنا أن يقرأ خارج هذه الاستراتيجية، فمقابل سياسة"رفع اليد" المتدرجة والهادئة في ملف السلفيين هناك سياسة موازية لاستيعاب هذا المكون داخل المشهد السياسي، إذ لا ينبغي أن ننسى أن مختلف هذه الأحزاب السياسية التي حضرت اللقاء يوجد من بينها من كان سابقا ينظر لفكرة"الاستئصال"اتجاه التيار الإسلامي المتسيس، كما يوجد من بينها من يرفع لواء"الحداثة" التي يعتبرها ـ هو ـ نقيضا حديا وصارما لأي توجد ديني. فما الذي حصل لكي "تجمد" هذه الأحزاب مواقفها التي ترى أنها تشكل هويتها وتحضر لقاء طغى عليه الطابع السياسي أكثر مما هيمن عليه الجانب الإنساني؟.
خلف الإجابة يكمن سعي حثيث لدى حزب النهضة والفضيلة لإيجاد مظلة دعوية والانتقال إلى المكان الذي تستقر فيه الحركة الإسلامية. فالتقليد الذي جرى به العمل، سواء في المغرب أو في غيره، أن الهيئات الدعوية تسبق التنظيم السياسي الذي يكون إفرازا لها، وهو ما حاوله مؤسس الحزب عندما انشق عن حزب العدالة والتنمية بمبرر هيمنة حركة التوحيد والإصلاح عليه، لتبقى عقدة الحركة هاجسا مهيمنا على محمد خليدي، فكان من الطبيعي أن تكون البداية بإنشاء حركة أطلق عليها"حركة اليقضة والفضيلة" التي اجتمع حولها بعض الغاضبين من حزب العدالة والتنمية، وراهنت الحركة في بداياتها على بعض رموز السلفية في المغرب ومن بينهم حسن الكتاني نفسه، الذي ينتمي إلى أسرة صوفية ارتبطت بعلاقات مع عبد الكريم الخطيب، مؤسس حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية الذي انخرط فيه أتباع حركة التوحيد والإصلاح وتحول إلى حزب العدالة والتنمية، بيد أن الخطيب نفسه الذي كان وراء فتح باب حزبه أمام إسلاميي حركة التوحيد هو نفسه من سيدعم حركة محمد خليدي بعد ميلادها، بدعوى أنها تندرج ضمن خيارات التنوع في العمل الدعوي، وسوف يصبح الخطيب فيما بعد رأسمالا سياسيا لطرفين متخاصمين معا، العدالة والتنمية والنهضة والفضيلة.
ولا شك أن حزب النهضة والفضيلة يسعى اليوم إلى إحياء مشروعه السابق، أي مشروع ثنائية الدعوي ـ السياسي، وهذه المرة بدعم واضح من مختلف التيارات السياسية، إن كانت نوعية الحضور في اللقاء تقول شيئا. فقد سبق لشيوخ التيار السلفي أن أعلنوا عدم نيتهم في إنشاء حزب سياسي، وأبدوا رغبتهم في تأسيس هيئة دعوية، ما عدا محمد الفيزازي، وهو ما يمكن أن يفيد بأن هذه الهيئة ربما تكون عبارة عن إعادة بعث حركة اليقظة والفضيلة، وإذا نجحت هذه الأخيرة في إنجاح هذا السيناريو فستكون بذلك قد اختارت اللعب في صف الكبار، بحيث لن تكون تكرارا لغريمها السابق ممثلا في حزب العدالة والتنمية وهيئته الموازية حركة التوحيد والإصلاح، بل ستكون منبرا لمكون ديني جديد مؤهل للعب أدوار كبرى في المرحلة المقبلة.