محاولـة لفـهم دلالات الـزيارة المـلكية لمـراكش
عبد الرحمن القاسمي
في سياق الحراك الشعبي الذي يعيش عليه المغرب منذ الخرجة الأولى لشباب 20 فبراير،والخطاب الملكي الموجه للشعب المغربي في التاسع من مارس، تحددت معالم جديدة وفتحت أفاق الإصلاح السلمي في بلد أهم ما ميز تاريخه الحضاري هو التسامح مع مختلف الحضارات بعيدا عن لغة التفجير والقتل.لقد شكلت أحداث 16 ماي بالدار البيضاء صدمة كبيرة للشعور العام للمغاربة الذين كانوا يعتقدون أن المغرب والمغاربة بعيدين كل البعد عن ثقافة القتل الدموي للنفس البريئة،لدرجة أن البعض روج قبل تلك الأحداث الإجرامية إلى أن المغرب يشكل الاستثناء وهي قاعدة لطالما لم نقبل بها فالمغرب بموقعه الاستراتيجي يؤثر ويتأثر بما يدور في جواره الإقليمي والدولي.
وبعد مرور حوالي 8 سنوات من تلك التفجيرات الأليمة بدأت تساؤلات تطرح عن الجهة الحقيقية المنفذة لتلك الأحداث،فالأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران وغيره كثر وجهوا في مناسبات عدة أصابع الاتهام لجهات كانت إلى القريب العاجل مهندسة الداخلية - وهم اليوم خصوم الحزب سياسيا - مسؤولية فبركة تلك الأحداث لتحقيق توجهاتهم الاقصائية للتيار الإسلامي المعتدل أو السلفي.وكيفما كانت مشروعية تلك الدعوات فتجدد القتل الوحشي وهذه المرة في المدينة الحمراء مراكش يفرض نوع من التعقل ووضع سيناريوهات معينة دون إسقاط إمكانية تورط جهات مغربية لايروق لها التحول الذي يعيش عليه المغرب، والذي من المؤكد سيتجاوزها بل وأكثر من ذلك لربما سيسائلها ذات يوم.
لنعد إلى الزيارة الملكية لمراكش والتي جاءت مباشرة بعد يومين من التفجير الدموي الذي هز مقهى الأركانة بساحة جامع الفنا لنتساءل عن دلالاتها؟ تجدر الإشارة إلى نقطة أساسية وهي أن الملك محمد السادس ما إن يعلم بفاجعة قد ألمت بشعبه خاصة إلا وعبر على وجه السرعة عن كامل مواساته ووقوفه إلى جانب الأسر المكلومة والضحايا وفي ذلك رسالة إنسانية نبيلة لها وقعها الخاص في نفوس متلقيها.نقطة ثانية يجب أن نستحضرها أن مدينة مراكش تعتبر من أكبر المدن المغربية جلبا للسياح وبالتالي تواجد العاهل بها يوجه رسالة اطمئنان للمغاربة والأجانب على حد السواء ومفادها أن لاخوف عليكم بإذن الله.
إن البعد الإنساني والاقتصادي المرتبط بالسياحة وعائداتها الكبيرة خاصة بعد أن تحول المغرب إلى الوجهة المفضلة في شمال إفريقيا حاضر بقوة في تلك الزيارة.بيد أنه في اعتقادي الخاص ثمة نقطة ثالثة مكملة للبعدين الأولين انفردت بها أحداث مراكش عن تفجيرات الدار البيضاء وهي أن الملك محمد السادس أعطى تعليمات واضحة إلى وزيري الداخلية والعدل، كي تقوم السلطات المختصة بفتح تحقيق قضائي لتحديد أسباب وملابسات التفجير الإجرامي، وبالتعجيل بإخبار الرأي العام بنتائج هذا البحث؛كما شدد على ضرورة أن يتم التحقيق والإخبار بنتائجه بما يقتضيه الأمر من شفافية وكشف للحقيقة ومن التزام بسيادة القانون.ويخيل إلينا أن هذه الزيارة تعكس نوع من الرغبة الأكيدة من قبل الملك للوقوف على مجريات التحقيقات عن كتب وتفويت الفرصة عن من ألف فبركة الملفات، خاصة إذا ما وضعنا في الحسبان قبول المغرب لضباط أجانب فرنسيين و اسبان للاشتغال مع زملائهم المغاربة في مختلف مراحل التحقيقات.
والى جانب البعد الإنساني والاقتصادي والأمني المرتبط بالوقوف الشخصي للملك محمد السادس على مجريات التحقيقات،يمكن للمرء أن يستخلص - وحتى من ملامح الملك أثناء الزيارة - إصراره على مواصلة التحديث والإصلاح السلمي الذي ينشده المغاربة؛وفي ذلك رسالة للجهات المنفذة أن عملكم القذر غير صالح وجبان ولن يزيد الملك والشعب إلا تماسكا وقوة.
موضوع: محاولـة لفـهم دلالات الـزيارة المـلكية لمـراكش 
الأربعاء نوفمبر 02, 2011 1:09 pm
