تقوم السلطة القهرية على مبدأ الطاعة، بينما تقوم السلطة العقلية على مبدأ التفاهم. و من الشائع أنّ السلطة – أياً كانت – يصاحبها – غالباً – عنف نفسي أو جسدي .
إنّ العنف الذي يمارس في الأسرة يأخذ أبعاداً إجتماعية تتجاوز ما يمكن أن يلتقطه الانسان للوهلة الاولى ، فـ”الأسرة لا تلبي إحتياجات الكبار في المحافظة على سلطتهم فحسب ولكنها تلبي أيضاً إحتياجات أرباب المؤسسات الإجتماعية الأخرى”. وعلى هذا الأساس تتم عملية إعادة إنتاج القهر والتسلّط والعبودية في المجتمع بصورة واضحة و ينتج عن هذا توالد و استمرار تناسخ نماذج تسلطية في المجتمع تدفع به نحو الوراء و في أفضل حالاته يبقى مكانه !
اذن فان الاباء المتسلطون كما يذكر الدارسون ، ينتمون إلى بيئة تربوية متسلّطة وإلى أسر متسلّطة تمارس العنف والإكراه في العملية التربوية. لذلك فإنّ هذه الممارسات تنبع وتتدفق عفوياً من دواخلهم. فالخبرات التربوية القاسية التي عاشها الآباء في طفولتهم تشكل منطلق الممارسات التربوية الجلفاء في مرحلة المراهقة و الرجولة والكهولة.
وغالباً ما يكون الأطفال والأبناء وأحياناً الزوجات ضحايا تلك الممارسات التربوية القاسية لهؤلاء الآباء (الإنفجارات العصبية التي تأخذ مسار التفريغ السيكولوجي) وفي هذا المجال تشير دراسات متعددة إلى أنّ الآباء الذي يعانون إضطرابات نفسية هم غالباً هؤلاء الذين يمارسون الطغيان والإستبداد وتنسحب هذه الحالة على وضعية الأُمّهات اللواتي يفتقدن الى الاحتواء و المكانة الاجتماعية فيلجأن الى استخدام السلطة على من تحت أيديهم لتعزيز إحساسهنّ بالوجود و اثبات أنفسهن بالطريقة الخطأ، فهنّ عاطفيات إلى حد التملك، يرفضن أن يمنحن أطفالهنّ استقلالهم او تسليمهم زمام الأمور او السماح لهم بأية مبادرة من أي نوع كانت .
اذن تنشأ العملية التربوية التسلطية هذه من خلفيات ثقافية تتمثل في مبادئ تربوية تقليديةوانّ الطفل راشد صغير له ما للكبير من قدرات وبخاصة على المستوى الأخلاقي و تزداد حالة الطفل بؤسا حينما يكون على قدر من الذكاء و قوة الشخصية بحيث يطرح تساؤلات أو يطالب بأمور قد تثير حفيظة الاهل المتسلطين فيلجؤون الى قمعه و هزّ شخصيته و افقاده ثقته بنفسه فلا يستطيع أن يواجههم بعد ذلك بأخطائهم ،
بإختصار، تفتقر الأجواء التربوية التسلطية إلى العلاقات الإنسانية السليمة و العواطف البشرية الدافئة، فنشأ بين أفراد هذه الأسر حواجز نفسية وإجتماعية وأخلاقية تدفع الطفل إلى مزيد من أحاسيس البؤس والشقاء والعدمية.
و ضحايا العنف التربوي، لا يمثلون نموذجاً واحداً، وذلك لأنّ النتائج النفسية للعنف مرهونة بالوضعية والشروط التي يوجد فيها العنف نفسه.
لدينا إذن مجموعتين من العقوبات التي يتأسس عليها التسلّط التربوي، وهما:
1- أساليب العقاب البدني والفيزيائي مثل: الضرب بأشكاله المختلفة وبأدواته المتنوعة، الحرمان، السجن والمنع،.
2- خلق المخاوف عند الطفل و خرق شعوره بالأمان عن طريق الكائنات الخرافية و الاساطير المرعبة و أساليب القمع النفسية مثل: الإزدراء، الإحتقار، الامتهان، السخرية، التهكم، التبخيس، أحكام الدونية، التخويف والحرمان وهي أساليب أكثر خطراً من أثر العقوبات الجسدية في التأثير في شخصية الطفل وهدمها.
فبعض الآباء والأُمّهات يبحثون عن أخطاء الطفل ويبدون ملاحظات نقدية هدّامة لسلوكه، مما يفقد الطفل ثقته بنفسه، ويجعله متردداً في أي عمل يقدم عليه خوفاً من حرمانه من رضا الكبار وحبهم. ويعامل بعض الآباء أطفالهم بروح القسوة والتعسف ظناً منهم أنّ هذه القسوة تصلح من شأنهم وحالهم، وهم لا يعرفون بأنّ ذلك يفقد الطفل تدريجياً أهم مقومات تكامله النفسي ونموه الإنفعالي والعقلي.
وقد تتحد جهود المدرسة و الاسرة التربوية في تكريس حالة التسلط التربوي ، حيث لا يسمح للأطفال لا في المدرسة و لا في الأسرة بإبداء آرائهم أو توجيه إنتقاداتهم ، و تكون العصا أو أساليب القمع النفسية متوفرة و جاهزة للصراخ و تدمير كيان الطفل البريء و مسخ شخصيته !
منقول