صمت رهيب يخيم على البيت، أبي في غرفة وأمي في أخرى، وأنا كلاعب كرة الوسط بينهما، أضرب أبي عن الإنفاق وأكثر الغياب عن البيت، وخاصمت أمي المطبخ ولم أعد أراها إلا وهي مستلقية على فراشها، كل منهما يحاول أن يعاقب الآخر، ولكن في الحقيقة أنا من تعاقب وتتألم في صمت.أذهب إلى المدرسة ولكن هيهات هيهات، الجسد في القسم والعقل يفكر في المشاكل والقلب ينفطر تعاسة وحزنا، لم أعد أركز في دروسي، غابت حيويتي في التجاوب مع أساتذتي وأصدقائي فبدأ الجميع يلاحظون ذلك، حتى صديقتي فقد حاولت جاهدة أن تعرف السبب ولكني تهربت بدعوى المرض لأنه لا يجدر بي أن أفشي أسرار أسرتي الخاصة.
أرجع إلى البيت فأجد الأمر كما هو عليه، أعمد إلى القيام بواجباتي المدرسية لكن سرعان ما أجد الدموع تتهاطل من عيني كالأمطار فأسرع إلى الحمام لغسل وجهي وتجفيفه. لم نعد نجتمع على المائدة كالسابق، ولا أثر للحوار في البيت، ولا أي نظرة للمحبة والمودة بين والدي، ألاحظ فقط نظرات العناد واللامبالاة وكأنهما في حرب باردة للأسف أطرافها أغلى الناس على قلبي. وعند مجيء الليل فإني أتألم أكثر خاصة عندما أرى كلا من والدي ينام في مكان فيغادر النوم جفني وتحضرني وساوس عديدة وتحدثني نفسي قائلة: كم سيدوم الحال؟ وهل سيتصالح والدي؟ أم لا قدر الله أمر آخر؟ أحاول أن أغفو قليلا فأقوم فزعة وخائفة أتضرع إلى الله بالدعاء أن يرفع عنا هذا الهم والحزن.
مرت ثلاثة أيام وكأنها ثلاث سنين، تدنى مستواي الدراسي، هزلت صحتي، رث منظري، أصبح الحزن حلتي والصمت عنواني.وفي صبيحة اليوم الرابع سمعت أصواتا تملأ البيت وكسرت الصمت الذي كان فيه، فتحت باب غرفتي فإذا بوالدي يقومان بتجهيز مائدة الفطور وهما يتبادلان نظرات المحبة والود، أسرعت لعناقهما حتى ذرفت عيني الدموع من الفرح فنظر والدي إلى بعضهما البعض وكأن عيونهما تقولان: ″ نأسف بنيتي″. دائما نأسف ... ولكن لست أدري لم يتشاجر الآباء أمام أبنائهم؟ ألا توجد غرف للنوم يتحاورون ويناقشون فيها مشاكلهم؟ ألا يعلمون أن لنا عيونا تلاحظ وتميز؟ ألا يدركون أن لنا عقولا تنقش كما ينقش على الحجر وأنهم هم قدوتنا في الحياة؟ ألا يدرون أن كثيرا من الأبناء بسبب المشاكل وقلة الدفء العائلي أدى بهم إلى البحث عن الحب في الخارج فالتقطتهم أيدي السوء فأصبحوا إما يتعاطون للممنوعات أو تعرضوا ...
.