نادية أبرام
أزيد من 12 ألف شخص في ألمانيا ينتظرون دورهم للخضوع لعملية زرع عضو حيوي يجود به متبرع٬ وكلهم أمل في أن يعيشوا حياة طبيعية خالية من القلق٬ يتوقف معها مسلسل معاناتهم اليومية مع العلاج الذي قد يكون٬ في أحايين كثيرة٬ استوفى دوره ولم يعد له مفعول.
وربما زادت حدة هذا القلق بعد الإحصائيات الرسمية التي أعلنت عنها وزارة الصحة٬ والتي تفيد بأن ثلاثة مرضى يفقدون حياتهم يوميا في ألمانيا ضمن هؤلاء بعد انتظار الأعضاء المناسبة لهم دون جدوى٬ فيما يلقى حتفه نحو 1000 مصاب بالقصور الكلوي سنويا بعد مدة انتظار قد تستغرق أزيد من سبع سنوات.
فالمشكل الذي يقع فيه هؤلاء قد يكون عدم توفر العضو المناسب في الوقت المناسب بسبب ترتيبهم ضمن لوائح الانتظار٬ أو قد يسوقهم القدر إلى أطباء يحتكمون للمصلحة المادية عوض الضمير المهني٬ فيتلاعبون في اللوائح٬ كما وقع مؤخرا في المستشفى الجامعي بمدينة ليبزيغ شرق ألمانيا.
وقد اتهم في هذه القضية٬ التي هزت الرأي العام الألماني٬ ثلاثة أطباء بمركز زرع الأعضاء التابع للمستشفى٬ بتغيير لوائح الانتظار٬ بعد أن تبين أنهم أدرجوا عددا من المصابين بالقصور في وظائف الكبد٬ بشكل غير عادل لتقليص فترة انتظارهم والاستفادة من عملية الزرع٬ وذلك مقابل مبالغ مالية لم تحددها بعد النيابة التي فتحت تحقيقا في الموضوع تشارك فيه نقابة الأطباء.
وعلى الرغم من أن بعض المحللين ألصقوا التهمة بالتنافس بين مراكز زرع الأعضاء التي تعاني نقصا في ألمانيا٬ على غرار عدد من دول العالم٬ وصنفوه كأحد العوامل التي تتسبب في وقوع مثل هذه المخالفات٬ إلا أن القانون الألماني لديه وجهة نظر مغايرة٬ ولم يستبعد أن الأموال كانت سببا في هذه الفضيحة التي تم على إثرها توقيف رئيس المركز والأطباء المتهمين في مركز ولاية ساكسونيا التي تقع فيها ليبزيغ٬ حيث يوجد٬ حسب مصادر طبية٬ العديد من المرضى يحتاجون٬ على نحو مستعجل٬ لعمليات زرع الأعضاء إلا أنهم ما يزالون رهيني حلم قد يقصر أو يطول أمده أو يتوقف مع توقف نبضهم.
وبادرت وزارة الصحة٬ إثر ذلك٬ إلى عملية البحث في عشرة مراكز تابعة لمستشفيات جامعية في مناطق متفرقة في ألمانيا٬ للوقوف على سير عملها٬ ولم يخل الأمر من رصد مخالفات أخرى.
أما اتحاد الأطباء الألماني٬ وفي محاولة للحفاظ على مكانة وسمعة القطاع التي تتجاوز الحدود٬ صرح أن هذه المخالفات يمكن اعتبارها "من الماضي" بفضل تشديد إجراءات المراقبة٬ وأن طب زرع الأعضاء يحظى بكل الضمانات الضرورية٬ وأن أي تلاعب لن يمر دون محاسبة.
لكن رئيس مؤسسة حماية المرضى في ألمانيا٬ كان له رأي مخالف٬ حيث اعتبر أن نصف المراكز المتخصصة في زرع الأعضاء في البلاد يتعين وقف نشاطها تفاديا للتنافس الذي يتسبب في وفاة المرضى ويمس بمصداقية الجسم الطبي.
وقد أعادت هذه القضية إلى الأذهان فضيحة من نفس العيار أو أكثر٬ عاشت على وقعها ألمانيا في شهر يوليوز الماضي فجرتها مكالمة من مجهول استفسر عن إمكانية اقتناء أعضاء من مركز المستشفى الجامعي بمدينة غوتنغن في ولاية ساكسونيا السفلى "شمال"٬ فتم الكشف عن عمليات بيع أعضاء سرية بين أطباء ومستفيدين ميسورين وزرع أعضاء لمرضى لم يحن دورهم٬ منها ما يعود إلى تسعينيات القرن الماضي.
ووجهت إلى الأطباء عدة تهم منها تزوير نتائج المختبرات الطبية التي برروا عبرها بعض عملياتهم٬ والقتل غير العمد لبعض المرضى الذين كانت لديهم أحقية الاستفادة من عمليات الزرع والاتجار بالأعضاء.
وبخصوص قانون التبرع بالأعضاء٬ فقد سبق وأن صادق البرلمان الألماني "بوندستاغ"٬ في شهر ايار/ مايو الماضي٬ على تعديلات تمنح الحق لشركات التأمين الصحي بتشجيع المنخرطين لديها على التبرع طوعيا بأعضائهم بعد الوفاة٬ وتسجيل إقرارهم بشكل رسمي وتسليمهم بطاقات خاصة تتضمن جميع البيانات الضرورية.
وتأتي هذه التعديلات للرفع من عدد المتبرعين٬ خاصة وأن إحصائيات رسمية أفادت بأن 20 في المائة فقط من الألمان يتوفرون على بطاقات التبرع بالأعضاء بعد الوفاة٬ على الرغم من أن أكثر من 80 في المائة منهم يعتبرونها عملا إيجابيا.
فألمانيا٬ حيث يظل الخصاص في الأعضاء الحيوية قائما٬ تعد قانونا مكملا يشجع على التبرع ويقنن أكثر هذه العملية٬ التي لم يتجاوز سنة 2011 عدد المنخرطين فيها 1200 شخص٬ أي ما يعادل نسبة 14.6 في المائة لكل مليون نسمة حسب معطيات نشرتها الصحافة.
وما تزال حملات التوعية بضرورة الانخراط أكثر في عمليات التبرع متواصلة عبر كل الوسائل المتاحة٬ وحتى تجد وقعا أكبر في المجتمع٬ أعلنت ألمانيا٬ في وقت سابق٬ يوم الرابع من ايار/ يونيو الماضي٬ "يوما ألمانيا للتبرع بالأعضاء" ليكون محطة سنوية لإبراز مدى أهمية هذا العمل الإنساني.
كما تحاول السلطات الصحية٬ من خلال رسائلها٬ استرجاع ثقة المواطن وإقناعه بأن عمليات التبرع بالأعضاء في البلاد منظمة بصورة جيدة بموجب قانون صارم لا يتهاون مع المخالفين.