عبد الرحمن القاسمي
ما أن أشرفت الجلسة الشهرية الخامسة للأسئلة الشفوية المتعلقة بالسياسة العامة التي شهدها مجلس النواب في الأسبوع الأخير من شهر دجنبر على الإنتهاء حتى بدأت الكثير من التساؤلات المشروعة تتبلور حول شعبوية أو لامسؤولية بعض قرارات السيد رئيس الحكومة،ومن ذلك على سبيل المثال حثه للسيد وزير التربية الوطنية أن يقيم ما سماه التمييز الإيجابي لفائدة المرأة خاصة في تعيينات المعلمين والأساتذة الجدد في بعض المناطق البعيدة التي تتطلب الكثير من المشاق والمعاناة بسبب البعد والظروف غير المساعدة لمزاولة التدريس بالنسبة للنساء خاصة.
إن مقولة " البوادي صيفط ليها الرجال وأما العيالات فخليهم قراب لعائلاتهن" تحمل ضمنيا الكثير من الإساءة للمرأة في حد ذاتها،فهي اعتراف صريح بمحدودية قدرات المرأة المغربية كما أنها تمييز واضح بين الجنسين ناهيك عن أنها ستشكل سابقة في القفز عن القانون من مصدر مسؤول بالصوت والصورة ومن داخل المؤسسة التشريعية.ألم يشفي غليل السيد رئيس الحكومة المعيار المجحف في حق رجال التعليم والقاضي بمنح أسبقية الإختيار حول المناصب الشاغرة لنساء التعليم بعد التحاقهم بالنيابات التعليمية؟ كم من أستاذ للتعليم الابتدائي تخرج من مركز التكوين بنقطة جيدة فاعتصر قلبه ألما لا لصعوبة العيش في المنطقة النائية المعَيَّن فيها،وإنما لأن جهده- سنة التكوين- ذهب سدى بعد أن اختارت من لها معدلا أقل منه المنصب الشاغر المفروض أن يكون فيه الأستاذ.
إن المساواة بين الرجل والمرأة في أخد الحقوق وأداء الواجبات قيمة سامية وغاية نبيلة يسعى إليها الجميع ذكرا أو أنثى،وبالتالي فإن محاولة التمييز ولو كان ايجابيا في إطار منظومة قانونية معمول بها يعد خرقا فاضحا ومن ثمة فالتمييز مضر وغير ذي جدوى وسيأتي بنتائج عكسية في ظل غياب معايير علمية مقبولة يرتكز إليها.إن القول بأنه إذا كان هدف الدولة هو الإنصاف يجب أن تتواجد النساء المعلمات والأستاذات في أماكن تُحفظ فيها كرامتهن بشكل كامل هو كلام عام، وإذا سلمنا به - تجاوزا- فمن سينصف ومن سيحفظ كرامة نساء العالم القروي خاصة وساكنة العالم القروي عامة إذن ؟ إن المرأة القروية تعاني الأمرين فهي تقوم بجهد مضاعف في حياتها اليومية؛وتشمل دائرة عملها مجالات أوسع مما تشمله دائرة الرجل بل كثيرا من أعماله تصبح جزءا من مهامها أحيانا مقبلة عليه كرها دفاعا عن الحياة في بيئة صعبة مُروِّحة عن نفسها المكدودة بالسواعد الجادة والمرحة حينا وبالغناء غالبا تستنفر القدرات الخلاقة الكامنة في جوهر الإنسان.
ما نحتاجه اليوم هو أن يكون الدليل النظري للحكومة حيا وذا قدرة فاعلة في التقاط القوانين العلمية التي تكشف عن التناقضات الاجتماعية الصارخة ومن ثمة استقراءها وتحليلها فتعيين الخطط العملية القمينة بإيجاد حلول مناسبة لها وبدون تماطل لتزكية الفعل السياسي البناء وإسقاط المزايدات الضيقة على حساب قضايا الوطن والمواطنين.والحق يقال أن أية تنمية منشودة لا تأخذ بعين الاعتبار تنمية العالم القروي لن يكتب لها النجاح في بلد نسبة القرويين فيه تقارب 47%.
إن الفعل السياسي البناء المولد للتطور نحو الأفضل والأرقى ليس أمامه سوى تحديد الممكنات وربطها بالطموح الأبعد من الأهداف بعيدا عن "الشطحات"،على ذلك فالسياسة وعي واقتدار على الفعل بالواقع وتحريكه دون مزايدات فإذا كانت وما تزال الحكومة الحالية تتعرض لانتقادات متنوعة ومتداخلة فيما بينها من قبيل تمثيلية المرأة بداخلها ناهيك عن غيابها في تعيينات الولاة والعمال،فإن مقولة "البوادي صيفط ليها الرجال وأما العيالات فخليهم قراب لعائلاتهن" تدخل من وجهة نظري في إطار المزايدات ليس إلا. ما هكذا يكون الفعل السياسي البناء الذي يلبي طموحات الجماهير العريضة فالمزايدات بهذا الشكل تعني التخطي الجاهل للشروط الواجبة لدفع الوقائع كما يجب،عندها يكون التصور فوق التصرف أو التصرف خلف التصور وفي كلتا الحالتين تكون النتائج بعيدة عن متطلبات الجماهير العريضة.
إن الواقع الاجتماعي واقع متحرك والخطأ الكبير الذي يمكن أن ينساق إليه البعض في أمور كهذه أن يتصور بأن السلطة لوحدها هي التي تشكل منطق الحقائق، فالحقائق دائما تلد حقائق أو لنقل تعقبها حقائق فحقيقة جاذبية الأرض تليها حقيقة سقوط الأشياء وفق قانون التعجيل الأرضي .