زايد جرو/ناس هيس
منطقة تودغى من الأماكن الأكثر جلبا للسياحة الواحية والجبلية ،منذ عهود خلت، اعتلت ونمت بفضل سياح قطعوا وعدا على أنفسهم ألا يخلفوا الميعاد، كلما سنحت بذلك ظروف عملهم لإعجابهم بمناظرها وحسن استقبال ساكنتها... يستقبل المستثمرون ضيوفهم من الأجانب بوجه مشهود، بشوش ،ضاحك، وضحوك ....
فعلى طول شريط الوادي تُزاحم نظرك لوائح الاستقبال وأسهم دالة حتى لايزيغ الزائر، ويصل بأمان إلى المكان المرغوب فيه، فاستبشر المنعشون كل الخير بوجوه مختلفة ألوانها وبعائدات مرتفعة قيمها،فتنافس المتنافسون لتقديم خدمات لائقة، أكثر رحابة وحميمية ، وساهم القطاع في امتصاص بطالة شبابية كبيرة، وذاع صيت المنطقة سياحة في الداخل والخارج ، لعب الزمن دورا كبيرا في هذه المسيرة ، بغير انفصال عن تحولات المكان، لكن مع أثر الأزمة الحالية والسياسة التقشفية المقيتة واللعينة التي سلكتها الدول التي تُسَوق السياحة أصبحت معالم الأزمة ظاهرة بشهادة المنعشين والتجار والساكنة عموما، حيث تأتي أيام عصيبة لبعض الفنادق غير المصنفة أو حتى المصنفة منها ،يكون فيها الدخل شحيحا أو منعدما ،ويصبح الاستمرار في هذا العمل مغامرة .
ولعل رصد الخلل في القطاع ودراسته يُمَكن من إيجاد بديل لهذه السياحة التي تتعرض لتقلبات المجتمع الدولي والتي ترمي بأثرها على الدول السائرة في طرق النمو، فالربيع الديمقراطي والانفجارات من حين لآخر واختطاف السياح ، وسرقة أمتعتهم،وتضليلهم ،والافتراء عليهم ، وتلاعب وكالات الأسفار، وتخفيض عدد الرحلات..... كلها عوامل تسيء للمهنة وتبخس صورة الوطن خارجيا.
فالبديل السياحي في ظل الأزمة التي تُطل وترحل ، وتتكرر مرات عديدة يكمن في الاشتغال على السياحة الثقافية المتجددة ، التي أقصد بها أن السياح الأجانب والسياح الداخليين يمكن زيارة منطقة تودغى بناء على ديناميتها الفكرية الوازنة والداعمة، والمنظمة، والتي من المفروض أن تكون من الحجم الكبير، بقدر حجم تطلعات المجتمع المدني، بانخراط الجمعيات التنموية في عمل موحد لتسير الأمور على النحو الذي سارت عليه في الشهرة عهودا مضت ، باستدعاء كتاب وفنانين ورسامين لهم رصيد كبير،من المعرفة والخبرة في الداخل والخارج،خاصة أن هذه الجمعيات عديدة وقامت بما لم تقم به الدولة في التنمية ،رغم أن معظمها لا يسجل حضوره إلا في المناسبات، وفيدراليات الجمعيات خطت خطوة رائدة لَمعتْ المنطقة باحتواء عدد كبير من الجمعيات، تحت هدف واحد ووضعت شروطا للانخراط فيها حسب القانون الداخلي لها حتى وصل عدد الجمعيات المنضوية إلى (72 )جمعية ووصل في سنوات سابقة إلى(84 )، وهو عدد لا يُستهان به ،قادر بالقيام بأعمال قوية هادفة تروج للمنتوج المحلي ، يُمْكن أن يعوض ماديا بعض عائدات الفصول العجاف للسياحة الاقتصادية.
فكل مدينة تعرف بمهرجاناتها الخاصة: ورززات ،زاكورة ،الرشيدبة، اكادير.،أصيلا ،فاس ،مكناس... تنجز أنشطة تحفظ بها وجه المدينة وتعلي همم وشأن رجالاتها وترفع من ليالي المبيت بالفنادق، وتنتعش محلات البيع والشراء ،... فمدينة تنغير لا تنقصها الكفاءات : طاقات شبابها واعدة،ومثقفوها متميزون ومتمكنون، و مجالس رؤساؤها فاعلون، وعمالتها مستعدة للدعم والتشارك ، فالتنسيق مع السلطة والساسة ليس خياراً طارئاً،بل تدبير وتشارك ،فلم أجد التعارض الكبير بين أن يكون الإنسان سياسياً قائدا وأن يكون مثقفاً أو أديباً... إلا من زاوية واحدة هي زاوية أن الأدب والإبداع بحاجة إلى تفرّغ أوسع وأكبر، وهذا لا يتيحُه العمل في السياسة.
فنحن في دولة سياسية ديمقراطية تتبدّل فيها القيادات، والأدوار،والأمور سارت على هذا النحو لأنها سارت هكذا كما قال تولستوي في روايته الحرب والسلام، والموضوع حقا شائك ومعقد ،فالتسلح بالعمل والفعل والتشاور يمكن إيجاد بدائل للسياحة الاقصادية وتجاوز تعثرات القطاع ولو نسبيا ومرحليا.