الرشيدية: علي الحسني العلوي (و م ع)
ينتاب المرء إحساس غامر بالألفة ونبض الحياة وهو في الطريق إلى أملاكو (136 كلم عن الرشيدية) التي تقبع شامخة وسط جبال الأطلس الكبير الشرقي٬ حيث طقوس الزواج تنهل من موروث ثقافي واجتماعي شعبي راسخ في الذاكرة الجماعية ويأبى النسيان.
وإذا كانت طقوس وعادات الزواج في المغرب تأخذ أشكال وألوانا متعددة حسب التقاليد والموروث الثقافي والاجتماعي لكل جهة ومنطقة٬ فإنها بمناطق جبال الاطلس الكبير تكاد تتشابه بالرغم من اختلاف المكون الثقافي وعامل الوسط لكل قبيلة وعشيرة على حدة.
فطريقة الاحتفال بالأعراس عند قبائل آيت مرغاد بأملاكو (التي تعني ملتقى الاودية) لها مميزات يشكل فيها الماء واللوز والحناء الثالوث المقدس في الطقوس.
ويعتبر العرس (تامغرا) من التقاليد والعادات المهمة الأكثر ارتباطا بالموروث الثقافي بهذه المنطقة الجبلية ٬ حيث تمر حفلات الزواج بثلاث مراحل تبدأ بالخطوبة (توترا) مرورا بطقس الحناء ثم مرحلة إقامة العرس.
وتبتدئ الخطوبة كخطوة تمهيدية للزواج ٬ باختيار الخاطب لخطيبته التي يريدها أن تكون شريكة حياته٬ فيعرض رأيه على أبويه اللذين يبديان رأيهما في المعنية بالأمر وكذا في عائلتها٬ وغالبا ما يلاحظ اختلاف الأبوين معا في رأيهما خاصة إذا كانت المقترحة من عائلة أحدهما ٬ وعندما يتفق الجميع على الاقتراح يبعث الخاطب أهله أو أصحابه خاصة الأم لإيصال الخبر إلى أهل المخطوبة ٬ الذين بدورهم يناقشون العرض إلى أن يتم الجواب بالرفض أو القبول.
وفي حالة الإيجاب تنطلق شعائر الطقوس حيث تذهب عائلة الشاب بشيء من الهدايا (ترزيفت) التي تختلف قيمتها حسب الوضعية المادية ٬ وغالبا ما تكون من السكر واللحم والملابس وبعض لوازم التزيين وفاكهة اللوز.
أما مرحلة ما يسمى بالحناء فخلالها يتم الاعلان الرسمي عن الخطوبة بعد مرور مدة كبيرة لا ينفع بعدها التراجع عن قرار الزواج لما له من أبعاد سلبية على الأسرة والعشيرة. وفيه تتم عملية الحناء لكل الحاضرين من النساء وتسليم العديد من الهدايا التي تكون طبق الاصل لما تسلمته خلال المرحلة الاولى٬ كما كما تلبس العروس اللباس الجديد والخاتم إيذانا بدخول مرحلة جديدة من حياتها.
وحسب لحسن آيت لفقيه٬ باحث في التراث الثقافي الامازيغي٬ فإن الحناء لغة التواصل مع الماورائي عبر شعائر متنوعة ذات بعد رمزي. ويختلف شكل التخضب لدى الإناث من الأطفال عن الذكور في مناسبات الأعياد٬ كما أن تخضيب العرائس يعد طقسا سحريا بامتياز٬ حيث ينثر فيه الحرمل والملح٬ لإطفاء مواقع الجن. وبعد طقوس الحناء يقام حفل العرس لمدة يومين بعد أن كان يتواصل من قبل لمدة أسبوع كامل.
في اليوم الأول من العرس ٬يتم تزيين العروس والعريس ٬ويكون الاحتفال الرسمي بهذا الحدث بإرسال العريس نوابا له أو ممثلوه ويسمون ب"اسناين" بقيادة الوزير الاول "بوتكفوت" إلى أهل العروس مصحوبين بحقيبة تتضمن ملابس العروس وجميع أدوات التزيين الأخرى.
وكلمة "اسناي" هذه مشتقة من فعل "أسني"أي أركب إذ أنهم هم الذين يتكلفون بمهمة ركوب العروس وإيصالها إلى بيت الزوجية . في اليوم الثاني مرددين "كاتاغن ابريد ايخامن مقورنين" "سوتاغ الحرير هياغ ندان"٬ كما يتولون مهمة تسيير العرس بشكل جيد ويتم استقبالهم من طرف أهل العروس ب "هان اسناين غري ام الدجغ نترا" وكذلك" امايديدان زاري يدو زارس لخير".
وبعد العديد من الاهازيج الامازيغية يتم استقبالهم بألذ المأكولات بالمنطقة من قبيل "الطعام د وودي" و"الكسكس".
وتتميز ليلة هذا اليوم بتزيين العريسين كل واحد في منزله وذلك بمواد وملابس ومجوهرات محلية خاصة بالعرس٬ فالعروس يتم تزيينها من طرف امرأة تتقن فن التزيين شريطة أن تكون من أهلها كالخالة أو العمة مثلا٬ وتواكب التزيين أهازيج محلية أمازيغية "وارو" ترددها النساء فيما بينهن.
وعند الانتهاء من طقوس التزيين يعم الاحتفال حيث يلتقي الجميع في مكان إلقاء الشعر المحلي "احيدوس" حيث يقام "لفال" وفيه يتنافس الشعراء على إلقاء قصائدهم. وقبل طلوع الشمس يتناول الجميع وجبة الفطور ثم الرحيل إلى بيت العريس في موكب من الرجال والنساء حيث تردد النساء أهازيج مخصصة لهذا الحدث ٬ تتوسطهم البغلة التي تمتطيها العروس وفي ظهرها طفل صغير بمراقبة تامة من الوزير الاول حفاظا على سلامتها.
وفي الطريق إلى بيت العريس تسمع أصوات الرجال مرتفعة حيث تعترض جماعة من الرجال يسمون "اقطعن" سبيل الموكب فيعملون على إزعاجه ومحاولة إرجاعه وتغيير اتجاهه ٬ وهذا يعبر عن مدى قيمة العروس التي تعبر عنها (اسناين) من خلال استماتتهم وقوتهم.
وبعد تناول وجبة الغداء التي غالبا ما تكون متأخرة ٬ ينتقل الجميع إلى ترديد أهازيج أخرى بالمناسبة تسمى "ازنزي" تكون بين الرجال والنساء حيث يتم هجاء العروس التي تبدي قلقها فتضطر إلى الرحيل صحبة العريس ٬ فيتم إرجاعها بمدحها كذلك.
وفي مساء هذا اليوم وقبل غروب الشمس بقليل يتم تزيين العروس مرة أخرى ويظهر العريس أمام الجميع بعد أن احتجب طيلة الصباح والليلة السابقة. حيث يجتمع سكان القرية ومعهم شباب القرى المجاورة ثم يتوجهون صوب ساقية أو منبع عين ٬ إذ ينطلق الموكب وفي أوله رجال وشباب وأطفال ويتبعهم وفد النساء وفي مقدمتهن نجد العروس التي تحمل إناء (تطاست) وكمية من اللوز الذي تهديه لكل من حضر الحفلة وتقوم بملء الاناء بالماء بعد أن يتم نزع الحجاب عن وجهها قرب الساقية.
وبمجرد وصول وفد العروس تقوم هذه الأخيرة برش جميع عتبات المنزل بتلك الكمية من الماء المصحوبة بها من الساقية رمزا إلى الخير والبركة . آنذاك تبدأ مرة أخرى الاهازيج حتى وقت تناول وجبة العشاء ليستمر بعد ذلك إلى وقت متأخر من الليل .
ويرتبط رش الماء هنا٬ كما يوضح السيد بلفقيه٬ في المخيال الشعبي الامازيغي بطقوس تقدير الاله "آمون" عند الامازيغ٬ فالماء سائل سحري بالدرجة الأولى٬ وما يرتبط به من نبات الماء وحيواناته٬ صلة وصل بين عالم الشهادة وعالم الغيب الماورائي.
وفي صباح اليوم الموالي يستعد الجميع لترك أسرة العروس بعد وجبة الغداء اذ يتم تزيين العروس باللباس الأخير ويتم اعداد "انوار" لتزيين عنقها من قبل "اسناين"