كمال قبيسي
أسرع صاروخ في الترسانة الإيرانية ليس "بدر" الشهير، ولا شهاب وأشقاءه ميثاق وسجيل وزلزال وأبابيل، بل ورقة اسمها "الريال" الذى هوى في تعاملات اليوم الثلاثاء بـ 9% ليصل إلى مستوى قياسي مقابل الدولار.
وقال متعامل في طهران لرويترز إن سعر الريال بلغ نحو 37 ألفا و500 ريال للدولار انخفاضا من نحو 34 ألفا و200 ريال في نهاية ساعات العمل أمس الإثنين، وقال متعاملون آخرون في طهران إن الريال هبط أكثر إلى 38 ألفا أو 40 ألف ريال.
وفقدت العملة الإيرانية نحو ثلث قيمتها منذ يوم الاثنين من الأسبوع الماضي حين افتتحت الحكومة مركزا للصرف يهدف إلى تحقيق الاستقرار للريال من خلال تقديم الدولارات للمستوردين لكن يبدو أنه أحدث أثرا عكسيا.
الأيام مقبلة على الإيراني بسيناريو يحشو معه ريالاته بكيس كبير ليشتري بها دجاجة أو دزينة بيض إذا استمر انخفاض العملة ووصل إلى ما ابتليت به البرازيل في سبعينات وبعض ثمانينات القرن الماضي، وعانيت منه بنفسي حين كنت مقيما هناك، حيث كان سعر السلعة الغذائية يزيد عند الغروب عما كان عليه عند الشروق، فيما كان الإيراد ثابتا بالعملة المحلية.
يحدث في حالات الانهيار المتسارع للعملة، انهيار لمداخيل الطبقة الوسطى فتصبح فقيرة وينمو في أفرادها الميل للتغيير، وبأي ثمن، لأن راتب الموظف الذي نفترض بأنه 18 مليون ريال، أي تقريبا 500 دولار كمعدل، هو بهذه القيمة الشرائية في أول الشهر.
لكن الموظف، أو العامل الذي يتسلم راتبه آخر الشهر، سيجد أنه لا يساوي 500 بل 250 دولاراً، هذا إذا هبطت العملة 50% فقط من أول الشهر إلى آخره مقابل العملة الخضراء، عندها سيشعر بقاعدة اعتل بها البرازيلي: بالانخفاض المنفلت للعملة تتآكل القوة الشرائية للإيراد الثابت، وإذا رفعته رفع المستورد أو الصناعي أسعار بضاعته أيضا، وهي كرة ثلج تلسع كالنار.
وأذكر أن الأمور احتدمت إلى أقصاها في بداية الثمانينات بالبرازيل لجهة انخفاض عملة الكروزيرو، ومن بعده الكروزادو، فاضطر رئيس البلاد وقتها فرنندو كولور دي ميللو، لمصادرة كل فلس مودع في البنوك، ولو كان في الحساب مئات ملايين الدولارات، مع وعد بأن يعيدها بعد عامين "فقط لكبح جماح التضخم" كما قال.. ولم يفلح، بل جلب الأسوأ.
وانتفض البرازيليون وخرجوا بمليونيات يومية في "ربيع برازيلي" سقطت معه "فلول" حكم عسكري سبق وأسقطوا أركانه قبلها بسنوات قليلة، ثم رسي في البلاد واقع جديد أزاحت به البرازيل بريطانيا قبل عام لتصبح بدلا منها بلاد سادس اقتصاد في العالم، وإيران تعيش الآن السيناريو نفسه تماما، والريال المصنوع من ورق قد يطيح "آيات الله" والملالي وأعتى نظام.