الرباط - حسن الأشرف للعربية نت
أكد محللون ومراقبون وجوب إطلاق الحكومة الجديدة بالمغرب إشارات وقرارات سياسية لا تتطلب ميزانيات مالية، من ضمنها فتح ملفات الفساد، وترشيد النفقات، وتقليص أجور كبار الموظفين، والحد من امتيازات السلطة، وإعادة النظر في ملف اعتقال السياسيين والصحافيين وذوي الرأي.
واعتبر آخرون أن هذه الإشارات السياسية قد بدأت الحكومة الجديدة في إطلاقها بالفعل منذ تنصيبها قبل أيام قليلة، ومنها الحس التواصلي الكبير لرئيس الحكومة مع وسائل الإعلام، ومع المحتجين من الشباب العاطل عن العمل، وقرار وزراء "العدالة والتنمية" خصوصاً بعدم تغيير مساكنهم، ورفض استعمال السيارات الرسمية في قضاء حوائجهم الشخصية والعائلية.
ويأتي الحديث عن هذه الإشارات والقرارات السياسية التي لا تستوجب ميزانية مالية، بعد مرور بضعة أيام على تنصيب الحكومة الجديدة التي يقودها حزب "العدالة والتنمية" ذو التوجه الإسلامي، والتي طالب رئيسها عبدالإله بنكيران من وزرائه في أول اجتماع حكومي بترشيد نفقاتهم، وبالإنصات إلى نبض المغاربة.
وقال عبدالرحيم منار اسليمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إنه من أبرز الإشارات السياسية التي يمكن أن ترسلها الحكومة الجديدة دون الحاجة إلى ميزانية لتحقيقها، صورة "الوزير" في ذهن المغاربة التي تغيرت بالفعل منذ تنصيب الحكومة، حيث لمسوا أن بنكيران رئيس الحكومة يتواصل مع الإعلام بمختلف مشاربه، كما يتواصل مع المعطلين المحتجين، وهو الحوار الذي كان غائباً من قبل.
وتابع اسليمي أنه من الإشارات التي أطلقتها الحكومة الجديدة مثلاً طريقة هندام بنكيران، ومسكنه الذي قرر أن لا يغيره، علاوة على مشاهدته وهو يصلي صلاة الاستسقاء يوم الجمعة الماضي فوق حصير مع الناس البسطاء، مشيراً إلى أن بعض الوزراء في الحكومة قرروا أنهم لن يستعملوا سيارات الدولة إلا أثناء المهام الرسمية.
واستطرد المحلل السياسي، في تصريحات لـ"العربية.نت"، أن هذه بعض الإشارات التواصلية التي لها دلالاتها السياسية بأن هناك تغييراً فعلياً للصورة الذهنية التي توجد للوزير عند قطاع عريض من المغاربة، كونه شخصية لا تتواصل مع الآخرين، وبعيدة عن الطبقات الشعبية والوسطى.
ومن الإشارات السياسية التي رآها اسليمي قد انطلقت بالفعل مع تنصيب الحكومة الجديدة، دون الحاجة إلى اعتماد ميزانية مالية، تواصل رئيس الحكومة أخيراً مع الشباب المُعطل الذين كانوا يشتكون من غياب طرف يحاورهم ويستمع إلى مطالبهم، كما أن وزيرة التضامن بسيمة الحقاوي مثلاً استطاعت أن تفك بشكل سريع وناجع اعتصام مجموعة من المحتجين الذين كانوا يتجمعون في مقر الوزارة منذ مدة، زيادة على زيارة بعض الوزراء لمكاتب الموظفين للتواصل المباشر معهم، من قبيل ما فعله وزيرا العدل والاتصال.
وطرح اسليمي إشكالاً بخصوص هذه الإشارات السياسية، والذي يتجلى في التساؤل حول إذا كان وزراء أحزاب الاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، المكونة للائتلاف الحكومي، سيسرون في نفس نهج زملائهم وزراء "العدالة والتنمية" أم لا، مردفاً سؤالاً آخر يتعلق بالسلطة السياسية هل ستقبل باستمرار مثل هذه الإشارات الإيجابية.
وخلص المتحدث إلى كون الحكومة الجديدة بقيادة "العدالة والتنمية" أعطت إشارات سياسية على أن هناك تغيراً قادماً، حيث إنه على الأقل حصل تحول جذري في النفسية والرؤية التي كانت تكتنف علاقة المواطن المغربي بالوزير أو المسؤول الحكومي.
ومن جهته، أوضح الدكتور خالد الشرقاوي السموني، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن أهم الإشارات السياسية التي يجب أن تطلقها الحكومة الجديدة، دون الحاجة إلى ميزانية مالية لتحقيق ذلك، أن تسارع إلى بعض الإجراءات العاجلة والحاسمة، مثل ترشيد النفقات، وتقليص أجور كبار الموظفين السامين، وأيضاً الحد من امتيازات السلطة، وكلها قرارات مؤثرة ستمنح الأمل للمغاربة، كما لا تحتاج إلى اعتمادات مالية.
وزاد السموني بالقول في تصريح لـ"العربية.نت" إن إجراءات سياسية أخرى يمكن أن تُشكل إشارات سياسية إيجابية تمنح الثقة في النفوس، ومنها تفعيل التصريح بالممتلكات من خلال قانون "من أين لك هذا؟"، ومحاربة اقتصاد الريع، ونظام الامتيازات، وإجراءات أخرى لا تتطلب أموالاً بقدر ما تستوجب حضور إرادة سياسية تتسم بالكثير من الجرأة.
ولفت السموني إلى إشارات سياسية هامة يجب أن تقوم بها الحكومة الجديدة لتأسيس علاقات قوية ملؤها الثقة بينها وبين المواطنين، من قبيل وضع حد لملف الاعتقال السياسي من أجل الرأي، وإعادة النظر في ما سُمي بملف السلفية الجهادية، باعتبار وجود فئة من المعتقلين لم يتورطوا في جرائم الدم.
وشدد الناشط الحقوقي على ضرورة أن يُطوى هذا الملف لما تسبب فيه من انعكاسات اجتماعية وأسرية ونفسية وخيمة جداً، مشيراً إلى أنه من مصلحة الدولة إقامة محاكمات عادلة لهؤلاء المعتقلين، فإعادة إدماجهم داخل المجتمع أفضل لهم من المكوث في السجن، مادام المغرب يحتاج إلى طاقات كل أبنائه.
وختم السموني بملف آخر لا يقل أهمية هو المتعلق بالعقوبات السالبة للحرية في مجال جرائم النشر والصحافة، حيث طالب بالإفراج عن الصحافي رشيد نيني المحكوم بسنة سجناً، لحاجة المجتمع إلى قلمه الذي أغنى الساحة الإعلامية بالمغرب، كما كشف عن عدة حقائق ساهمت في فتح ملفات كثيرة، مبرزاً أن المركز المغربي لحقوق الإنسان سيطالب وزير العدل الجديد مصطفى الرميد بالنظر بشكل عاجل في هذا الملف لإطلاق سراح نيني.
وبالنسبة للمحلل السياسي والإعلامي توفيق بوعشرين، فإنه يرى أن أحد أهم الإشارات السياسية التي يمكن للحكومة الجديدة القيام بها، دون حاجة إلى ميزانيات مالية، إصلاح صندوق المقاصة، باعتبار أن المغرب يصرف عليه حوالي 4.7 مليار يورو، بينما 80% من هذا الدعم المخصص للمواد الأساسية يذهب إلى جيوب الأغنياء والشركات الكبيرة.
وأوضح بوعشرين، في افتتاحية جريدة "أخبار اليوم" لعدد يومي السبت والأحد 8 يناير/كانون الثاني، أنه لابد من اعتماد سياسة الدعم المباشر والمشروط للفئات الفقيرة والمعوزة، والتوقف عن إغناء الغني وإفقار الفقير، مشيراً إلى أنه يمكن في هذا الصدد الاستعانة بتجارب دول أخرى مثل البرازيل.
وأشار إلى قرارات أخرى مثل فتح ملفات الفساد التي أُنجزت بخصوصها تحقيقات وتقارير، وشُكلت من أجلها لجان تقصي الحقائق، مذكراً بأن شعار حزب العدالة والتنمية في الانتخابات كان هو "صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد".
وبعد أن أشار المحلل أيضاً إلى ضرورة إصلاح القنوات التلفزية بالمغرب لتواكب رياح الإصلاح والأحداث الجارية في البلاد، قال إن هذه بعض الإشارات التي يمكن أن تبعث الحياة في الأمل الذي استيقظ لدى الشعب مع الحراك الاجتماعي، وهي لن تكلف الميزانية درهماً واحداً، بخلاف اقتصاد الريع وثقافة الإفلات من العقاب، حيث تكلف البلاد الكثير من المال"، على حد تعبير بوعشرين.